قال جابر: (فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج).
يعني: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه تحللوا بعدما أكملوا أعمال العمرة، ومكثوا حلالاً أربعة أيام، أي: في اليوم الرابع أكملوا العمرة، وانتظروا يوم الثامن وهم حلال، ثم أحرموا من جديد في اليوم الثامن.
قال: (فلما كان يوم التروية) وهذا هو اليوم الأول في أيام المناسك، ويسمى بيوم التروية؛ لكون الناس كانوا يتروون فيه من الماء، أي: يحملون الماء معهم من مكة إلى عرفات؛ ليستعملوه في الشرب وغيره، وكان الحج في الماضي صعب جداً، وكان الإنسان الذاهب إلى منى والذاهب إلى عرفة محتاجاً للماء أن يكون معه، فكان يحمل معه الماء، فانظر الرحمة التي نحن فيها الآن؛ فإنك تذهب إلى أي مكان فتجد الماء هناك، وتلاقي نافورات المواصير طالعة في السماء تنزل عليك رذاذ ماء وأنت في عرفة، وأنت في منى، وتجد أشياء عظيمة جداً بفضل الله سبحانه وتعالى؛ فإنه سبحانه يسر لعباده، فالحج في الماضي كان غاية في المشقة، فقد كان الحجاج في يوم التروية كل واحد يأخذ مزادت الماء من أجل أن تكفيه في هذه الأيام أيام المناسك.
فاليوم الثامن كان اسمه يوم التروية، واليوم التاسع اسمه يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني، فهذه ستة أيام للمناسك؛ كل يوم له اسم من الأسماء.
قال: (لما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج)، فلم يخرجوا إلى الميقات، وإنما أهلوا من مكانهم، وذكروا أنهم أهلوا من البطحاء، بطحاء مكة.
قال هنا: (توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج)، وفي رواية الإمام أحمد لهذا الحديث قال جابر: (فأمرنا بعدما طفنا أن نحل، قال: وإذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا، قال: فأهللنا من البطحاء).
والبطحاء: موضع بين مكة وبين منى، يسمى بالبطحاء، وكأنه المكان المتسع من الوادي، فما انبطح من الوادي فهذا البطحاء، فالمكان المتسع يسمى بالبطحاء، ويسمى أيضاً بالمحصب، ويسمى أيضاً بالمعرس والأبطح، هذا المكان لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من منى بعدما أنهى رمي الجمار نزل في هذا المحصب؛ من أجل أن يكون أسمح له في النفر والخروج من مكة للرجوع إلى المدينة.
والمحصب أصبح الآن بداخل مكة، اتصل به البنيان من مكة فصار بداخلها، وهو قريب من المقبرة التي تسمى مقبرة الحجون.
يقول جابر: (وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر) يعني: بمنى، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة متوجهاً إلى منى، وأهل من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم من البطحاء أو المحصب أو المعرس أو الأبطح.
قال: (فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر) يعني: أن السنة الخروج من مكة والتوجه إلى منى بحيث يصل إلى منى عند وقت الظهر، فيصلي هنالك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت هناك ويصلي الفجر، فيصلي في منى خمس صلوات.
فالذهاب إلى منى في يوم التروية هذا سنة من سنن الحج، ومع شدة الزحام الآن الكثيرون يتوجهون إلى عرفة مباشرة، والذهاب إلى منى سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وليس واجباً وليس فرضاً من الفرائض، لكن الأفضل للمسلم أن يلتزم ذلك طالما أنه يستطيع أن يذهب إلى هناك.
قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس).
وكان صلى الله عليه وسلم هنالك يقصر من الصلاة، ولكن لم يجمع، فالصلاة هناك لم تكن جمعاً، ما جمع في منى بين الظهر والعصر، والجمع يكون للحاجة، وهنا أنت في عبادة لله سبحانه تبارك وتعالى لا تحتاج إلى الجمع في هذا المكان، فإذا كنت في منى فصل هنالك قصراً، ولكن لا تجمع بين الصلاة.