هذا الحديث رواه مسلم عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن أبيه محمد بن علي بن الحسين قال: (دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى إليه، فقلت: أنا محمد بن علي بن الحسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع الردء الأعلى ثم نزع الردء الأسفل، ثم وضع كفه بين ثدييه، وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي! سل عما شئت، قال: فسألته وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفاً بها كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب فصلى بنا).
فهنا الذي يروي لنا هذا الحديث هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه، يرويه عن أبيه محمد بن علي بن الحسين أنه دخل على جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وواضح من هذه الرواية أن جابراً كان قد عمي، فكان رضي الله تبارك وتعالى عنه يسأل عن القوم الذين اللي دخلوا عليه، فقالوا: فلان وفلان إلى أن وصلوا إلى محمد بن علي بن الحسين.
ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون له مزيد من الإكرام ومزيد من الضيافة، وكان شاباً صغيراً، يعني: في سن خمس عشرة أو ست عشرة سنة.
فـ جابر بن عبد الله وضع يده على صدره بين ثدييه، هذا يليق بمن كان في مثل سنه، وهذا نوع من الملاطفة، فهذا الضيف جاء إليه وهو من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فلاطفه بذلك، وكان هذا لا يحصل مع الرجل الكبير، وكل ضيف يتعامل الإنسان معه على قدر سنه وعلى قدر منزلته.
ولذلك الإمام النووي يذكر في هذه القطعة عدة من الفوائد فيقول: يستحب لمن ورد عليه زائرون أو ضيفان ونحوهم أن يسأل عنهم لينزلهم منازلهم.
وفيه: إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل جابر بـ محمد بن علي بن الحسين.
ومنها: استحباب قوله للزائر والضيف ونحوهما يرحب بهما: مرحباً.
ومنها: ملاطفة الزائر بما يليق به وتأنيسه، أي: ملاطفة الزائر بالشيء الذي يليق به حسب سن هذا الزائر، وما يليق بمثله من الملاطفة، وتأنيسه؛ حتى لا يستشعر بوحشة، وأنه جالس بين كبار السن وهو صغير بينهم، فكأن جابراً كان يقبل عليه ويربت على صدره كنوع من الملاطفة والتأنيس له.
قال الإمام النووي: وهذا سبب حل جابر زري محمد بن علي ووضع يده بين ثدييه، يعني: كأن القميص كان له زر أعلى وزر ثان أسفل، ففك الزرين ووضع يده على صدره كنوع من الملاطفة والتأنيس له والمعرفة لمنزلته ومكانه رضي الله عنه.
يقول: (فسألته وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفاً بها) كأنه قام فصلى بهم إماماً، رضي الله تبارك وتعالى عنه وعليه نساجة يلتحف بها، والنساجة: عبارة عن ثوب ملفق، وخروق لفق بعضها ببعض وجعلها ثوباً، وكأن هذا الثوب كان صغيراً، فكلما وضعه على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، يعني: يلتحف على المنكبين، لكنها من صغرها كانت تسقط من شماله وتسقط من يمينه، فيرجع طرفاها إليه من صغرها.