ويستحب صيام جميع الثلاثة الأيام قبل يوم عرفة حتى يتفرغ يوم عرفة للدعاء، وله أن يصومها مع يوم عرفة، لكنه يتعب مع الصيام ومع الحر ومع الانشغال بالمناسك والذهاب والإياب.
وهذه الثلاثة الأيام تفوت بخروج أيام التشريق، فيكون رخص في صومها لأنه ما زال بقي عليه شيء من أعمال الحج، فالحاج إذا لم يقدر على صيامها قبل أيام التشريق يجوز له أن يصومها في أيام التشريق وكأنه الآن يقضي هذه الأيام الثلاثة التي فاتت، فليس له أن يضيعها حتى تنتهي أيام التشريق، فإذا فات صوم الثلاثة في الحج لزمه قضاؤها ولا دم عليه، فهذا يعتبر بدل من هذا الدم فليس عليه دم مرة ثانية، وكان الإمام أبو حنيفة يقول: عليه دمان، يعني: رجع الدم الأصلي عليه وعليه دم آخر بترك هذا الواجب الذي كان عليه.
والراجح: أنه إما أن يذبح هدياً ويهديه لأهل الحرم، أو أنه غير واجب فيلزمه هذا الصيام على الصورة التي ذكرها الله عز وجل، فإذا فاتته الثلاثة الأيام قضاها بعد ذلك ولا يلزمه شيء آخر.
قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196] مضمون الآية: إذا رجعتم من الحج -وذلك بانتهاء مناسكه- ولو كنتم في الطريق أردتم أن تصوموا جاز لكم ذلك، سواء في الطريق أو بعد الرجوع إلى أهليكم فالأمر سيان.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: (من كان أهدى فإنه لا يحل له شيء حرم منه حتى يقضي حجه, ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) فالأفضل إذا رجع إلى أهله صام؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت الآية لم تذكر الرجوع إلى الأهل، فبمجرد الرجوع من الحج يجوز للإنسان أن يصوم؛ لنص النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز صوم شيء من السبعة في أيام التشريق، فلو أن شخصاً استسهل صوم الثلاثة الأيام قبل العيد وجاء في أيام التشريق ليصوم السبعة الأيام فلا يجوز ذلك، وليست هذه معتبرة، وأيام التشريق لم يرخص فيها إلا صيام الثلاثة الأيام فقط وليس الباقي؛ لأنه لا يسمى راجعاً، ولأنه ما زال في الحج حتى وإن تحلل، وأما من بقي عليه طواف الإفاضة فلا يجوز صيامه؛ لأنه ما زال في الحج، وإنما يصوم السبعة الأيام بعد ذلك إذا رجع من الحج، أما هذا الذي عليه طواف الإفاضة فما زال عليه ركن من أركان الحج، فليس له أن يصوم السبعة الأيام.
وإن لم يصم الحاج الثلاثة الأيام في الحج ورجع لزمه صوم عشرة أيام، سواء ترك صيامها بعذر أو بغير عذر، فلما يرجع إلى أهله يلزمه صيام العشرة الأيام متواصلة، وإن صام ثلاثة أيام وحدها، ثم صام سبعة أيام وحدها جاز، لكنه لا يجب التفريق بين الثلاثة والسبعة، وكأن التفريق وجب بحكم الوقت وقد فات فسقط كالتفريق بين الصلوات، وهذا قياس، أي: عندما نقول: صلاة الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والمغرب في وقتها، فلو أنك فاتتك هذه الصلاة وأنت نائم فعندما تقوم من النوم نقول لك: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها، فبمجرد ما قمت من النوم يلزمك أن تصلي هذه التي فاتتك، ولا تقل: نؤجلها إلى الغد، ثم نصلي الظهر مع الظهر، والعصر مع العصر، والمغرب مع المغرب، لا، ولكن صل إذا قمت؛ لأنك أنت الآن تقضي هذه الصلاة، فلذا صوم الثلاثة والسبعة الأيام لا يجب فيه التتابع ولكن يستحب، فينوي بهذا الصوم صوم التمتع وإن كان قارناً نوى صوم القران بدلاً من الهدي، وإن صام الثلاثة الأيام في الحج والسبعة بعد الرجوع لم يلزمه نية التفريق، فإذا شرع في صوم التمتع الثلاثة أو السبعة ثم وجد الهدي فقد شرع الآن في البدل، وهل يلزمه أن يرجع ثانية ونقول له: وجب عليك الهدي؟ لا فقد انتهى الأمر، فهو قد تلبس الآن بما وجب عليه فعليه أن يكمل هذا الشيء، ولكن يستحب له أن يرجع للهدي ولا يجب.
ويجب على القارن دم مثل ما قلنا في المتمتع، وهذا مروي عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم؛ لأنه جمع بين نسكين في وقت، فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى، فالمتمتع قد عمل عمرة كاملة وحجاً كاملاً، ولكنه تمتع بين الاثنين في سفر واحد، والقارن تمتع بنسكين في سفر واحد، وكذلك عمل عملاً واحداً وهو الحج وأدخل فيه العمرة، فإذا كان متمتعاً عليه دم، وكذلك القارن.