الشرط الرابع: ألا يعود إلى الميقات، وذلك بأن أحرم بالحج من نفس مكة واستمر، لكن لو أن هذا الإنسان أحرم بعمرة في أشهر الحج ثم خرج من مكة ورجع إلى بلده أو رجع إلى الميقات أو توجه إلى المدينة ومكث حتى أيام الحج، ثم أحرم من ميقات المدينة، فيكون هذا قد سافر سفراً آخر وما جمع بين النسكين في سفر واحد فيكون مفرداً.
فيكون الشرط الرابع: ألا يعود إلى الميقات، فيحرم بالحج من نفس مكة ويستمر، فلو عاد إلى الميقات الذي أحرم منه بالعمرة أو إلى مسافة مثله وأحرم بالحج فلا دم عليه، أو إلى مسافة مثله أو مسافة أكبر من مسافة الميقات، فلو أنه أحرم بالعمرة من الجحفة، وتوجه من هنالك فأدى العمرة في شهر شوال ثم خرج من مكة وتوجه إلى المدينة ثم أحرم من ذي الحليفة فأدى مناسك الحج فتكون ذو الحليفة أبعد من الجحفة فمسافة (450 كيلو) هو ما بينها وبين مكة، والجحفة فبينها وبين مكة حوالي (220 كيلو) فتكون المسافة أطول، فيكون على ذلك مفرداً وليس متمتعاً.
فلو عاد إلى الميقات الذي أحرم منه بالعمرة أو إلى مسافة مثله وأحرم بالحج فلا دم عليه، ولو أحرم به من مكة ثم ذهب إلى الميقات محرماً سقط عنه الدم، وهذا فيه خلاف بين الشافعية والحنابلة، فعند الحنابلة أنه إذا جاوز الميقات وأحرم بعده ثم رجع إليه بعد ذلك فهذا صار عليه الدم؛ لأنه جاوز الميقات غير محرم.
وقلنا: إنه إذا جاء عند الميقات وأراد أن يحرم بعمرة ثم لم يحرم، فجاوز الميقات ثم بعد ذلك أحرم بالعمرة فالراجح: أنه بين أمرين: إما أن يكمل وعليه دم؛ لأن جاوز الميقات من غير إحرام، أو أنه يرجع إلى الميقات، فلو أنه لم يحرم لا لبى ولا لبس لباس إحرام، ولم يعقد النية ثم رجع إلى الميقات فاتفق الجميع على أنه ليس عليه دم في ذلك.
وهذه صورة أخرى: لو أنه أحرم من مكة ثم ذهب إلى الميقات محرماً، سقط عنه الدم على الراجح، ولو دخل القارن مكة قبل يوم عرفة ثم عاد إلى الميقات فأحرم فهنا القارن صار مترفهاً بإسقاط أحد السفرين، وكذلك أحد النسكين دخل في الآخر، فعلى هذا المعنى: لو أن القارن دخل مكة قبل يوم عرفة ثم عاد إلى الميقات مرة ثانية، فيكون سافر مرتين فلا دم عليه، ولو أنه أحرم بالعمرة من الميقات ودخل مكة، ثم رجع إليه قبل الطواف وقبل فواته فأحرم بالحج فيكون أدخل الحج على العمرة فهذا قارن في هذه الصورة.
ولو أنه طاف طواف العمرة ثم سافر إلى الميقات فالراجح أنه ليس عليه دم.
ولا يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الحديث أنه يجوز أن يحج عن إنسان ويعتمر عنه، فإذا كان برضا الاثنين فيكون إما قارناً وإما متمتعاً وفي الحالتين عليه دم.
فلو أنه استأجر شخصاً وقال له: أد عني عمرة وآخر قال له: حج عني، فيكون اعتمر عن هذا وحج عن هذا، وهو في أشهر الحج فيلزمه الدم ويوزع على الاثنين، لكن لو أنه لم يخبر واحداً من الاثنين فاعتمر عن هذا وحج عن هذا فيلزمه الدم على الأجير نفسه، ولا تشترط نية التمتع؛ لأن الدم يتعلق بترك الإحرام بالحج من الميقات وذلك يوجد من غير نية.
وإذا ذهب فأدى عمرة في أشهر الحج، ثم بعد ذلك أحل، ثم أهل بالحج بعد ذلك، وهو لم ينو تمتعاً ولا يعرف التمتع، لكن الصورة صورة تمتع فيلزمه الدم.
وإذا فرغ المتمتع من أفعال العمرة صار حلالاً، يعني: تحلل الآن بعد العمرة فحل له الطيب واللباس والنساء وكل محرمات الإحرام سواء أكان ساق الهدي أم لم يسق، فهذا الذي ذهب ناوياً العمرة وساق معه الهدي، فلما انتهى من العمرة حتى ولو كان معه الهدي فقد تحلل، بخلاف من ذهب ينوي الحج أو ذهب ينوي القران بين العمرة والحج، فيبقى محرماً سواء أساق الهدي أم لم يسق، وكيف نصنع بالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لولا الهدي لأحللت؟) وهذا دليل للحنابلة، أن الذي يسوق الهدي لا يجوز له أن يتحلل حتى يفرغ من أعمال الحج، واحتجوا بأنه جاء في الصحيحين عن عائشة قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة حتى قدمنا مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجه) وهذا دليل على عكس ما نذكره، والذي نذكره: أنه إذا نوى التمتع وساق معه الهدي فله أن يحل، ولكن هذا حديث واضح يدل على أنه ليس له حق أن يحل هنا، وكأن هذه رواية مختصرة من روايتيين، ذكرهما البخاري ومسلم وفيه قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة).
فيكون في الحديث الأول: أن المعتمر إذا كان معه هدي فإنه يظل على إحرامه حتى ينتهي من أعمال الحج والعمرة، ولكن الرواية الثانية في الحديث توضح أن الذين كان معهم هدي وأرادوا الاعتمار أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يدخلوا الحج على ذلك فقال: (من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة) فهم كانوا ناوين عمرة لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يهلوا بالاثنين الحج والعمرة، ثم لا يحل هذا الذي معه الهدي وأحرم بالحج والعمرة معاً حتى يحل منهما جميعاً، فهذه رواية مفسرة من الرواية الأولى.
ففيهما ذكرنا: أن الذي أهل بالاثنين هذا هو القارن الذي ليس له أن يحل من إحرامه حتى ينتهي وينحر هديه، لكن الذي نوى عمرة فقط وساق الهدي معه، وإن كان الآن هذا نادر جداً -أي: أن أحداً ينوي العمرة ويسوق معه الهدي- ولكن لو فرضنا أنه فعل هذا الشيء فالراجح: أنه إذا نوى العمرة فقط يجوز له بعد أدائها أن يتحلل حتى ولو كان معه الهدي؛ لأن نيته لم تكن إلا العمرة، ونيته أن يتحلل بعد الفراغ منها، فيستحب له ألا يحرم بالحج إلا يوم التروية، وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه، حيث أمر أصحابه أن يحلوا، وهذا أمر منه أنهم لا بد أن يتحللوا من العمرة ويمكثوا حتى يجيء يوم الحج فيهلوا بالحج، وإن كان هو محرم قبل ذلك ولم يفك إحراماً صلى الله عليه وسلم.