أما لو أن المعضوب حج عنه ثم عوفي وقدر على الحج بنفسه، فهذه صورة أخرى، كأن يكون مريضاً مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه، ومعه مال، فأتى شخص وأعطاه الأجرة فحج عنه هذا الأجير، وبعدما حج عنه شفاه الله سبحانه، فهل يلزمه الآن أن يحج عن نفسه؟ هنا قولان لأهل العلم: القول الأول: أنه يلزمه أن يحج عن نفسه.
القول الثاني: لا يلزمه ذلك.
فالذين قالوا: يلزمه، قالوا: قد تبين أنه ليس معضوباً، أي: بان أنه كان واهماً في أنه معضوب، فزال هذا الوهم وصار الآن قادراً.
والذين قالوا: لا يلزمه -وهو القول الأقوى- قالوا: حين جعل غيره يحج عنه كان معضوباً، وكان اليقين عند نفسه أنه لا شفاء له، والأطباء قرروا أنه لا يقدر، ففعل ما وجب عليه، فإذا فعل ما وجب عليه فإما أنه أدى الفريضة المسقطة عنه هذا الواجب، وإما أن تكون غير مسقطة عنه، فلو كانت غير مسقطة لما وجب ابتداءً على أحد من المعضوبين أن يطلب من يحجج عنه؛ لاحتمال أنه إذا صار صحيحاً بعد ذلك فلا يسقط عنه، والشريعة لم تقل ذلك، فلم يبق إلا أن يقال: إنه طالما استيقن في نفسه وغلب الظن أنه لا شفاء لهذا المرض الذي هو فيه، فأحج عن نفسه ثم شفاه الله عز وجل بعد ذلك لم يلزمه شيء؛ فقد سقط عنه الفرض على الراجح من كلام أهل العلم.
والعلماء الذين قالوا: إنه يلزمه هم: الشافعي والأحناف وابن المنذر، وذهب غيرهم من العلماء إلى أنه لا يلزمه، ورجحه ابن قدامة في المغني.