روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال من سحوره)، والسحور: طعام السحور، وهو فعل الأكل، أي: الأكل في وقت السحر، قال: (لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم)، فقوله: (ليرجع)، هذا فعل لازم ومتعد، فيجوز أن ينصب (قائمكم) على المفعولية، أو يرفعه فيكون فاعلاً له، ولفظ الحديث بالنصب، قال: (ولينبه نائمكم، وليس له أن يقول الفجر أو الصبح، وقال بأصابعه هكذا، فرفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا)، وكأنه يريد أن يقول: إن الفجر الكاذب: ما كان ضوءً عمودياً من أعلى إلى أسفل، وأن الفجر الصادق ما كان أفقياً مستطيلاً في السماء.
(ثم قال بسبابتيه إحداهما على الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله)، وإذا نظرت إلى هذا الفجر وجدته يبدأ نوراً أفقياً من المشرق إلى المغرب، ثم يبتدأ هذا الخيط من النور في الظهور شيئاً فشيئاً إلى أن تتغير السماء من الظلمة إلى اللون الأزرق أو اللبني، وهذا هو الإسفار، إذاً: فالفجر الصادق: هو النور المستطيل في السماء المبتدئ من المشرق إلى المغرب.
وفي رواية: (وليس أن يقول الفجر أو الصبح -وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل- حتى يقول هكذا بسبابتي إحداهما فوق الأخرى، ثم مدها عن يمينه وشماله).
وروى مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير هكذا)، فلا تغتر بهذا البياض أو النور في السماء، بل البياض المعتمد في الفجر هو ما كان على امتداد الأفق، والأفق هو المكان البعيد الذي ينقطع إليه بصرك.
فيقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح)، والعمود: هو الشيء النازل من أعلى إلى أسفل.
يقول: (حتى يستطير) أي: حتى ينفرد عن الأفق كخيط أمامك، ولذلك قال الله عنه: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة:187].
ولـ أبي داود والترمذي من حديث طلق بن علي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم) أي: لا يزعجنكم، قال: (ولا يهيدنكم الساطع المصعد) يعني: الضوء الصاعد أو النازل بشكل طولي من السماء، قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)، وهو الخيط الأفقي الممتد من المشرق إلى المغرب، وليس الأحمر لوناً له، لكنه يكون محمراً عند أول ظهوره، ثم يصير خطاً ذهبياً أمام ناظريك، وهذا هو الخيط الأبيض المعبر عنه في القرآن الكريم.
ولـ ابن أبي شيبة عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفجر فجران: فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئاً ولا يحرمه ولكن المستطير)، وذنب السرحان: هو ذيل الثعلب، فهذا لا يحل شيئاً ولا يحرم شيئاً، بل الضوء المستطير الأفقي هو الذي يحرم الأكل والشرب، وهو الفجر الصادق، فإذا طلع الفجر الصادق فلا يحل لك أن تأكل أو تشرب شيئاً، هذا إذا تبين لك الفجر الصادق، وإذا لم يتبين فالأكل والشرب والجماع مباح لك؛ لأن الله تعالى أباح الوطء أو الأكل أو الشرب إلى أن يتبين لنا الفجر، فقال تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]، فلو تبين لك الفجر فلا يحل لك أن تأكل أو تشرب أو تجامع، ولو كان في فمك ماء أو طعام لزمك أن تلفظه، وحرم عليك بلعه، قال الله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187].