أجمع أهل العلم على وجوب صيام شهر رمضان، وقلنا: إن الصوم المشروع: هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق المستطير إلى غروب الشمس، قال الله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]، فلك أن تأكل في الليل وتشرب حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والمقصود بذلك: بياض النهار من سواد الليل، فإذا تبين ذلك فلا يجوز لك أن تأكل أو تشرب.
قال ابن عبد البر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، وفي هذا الحديث دلالة على أن للفجر أذانين، أذان يؤذنه بلال، وأذان يؤذنه ابن أم مكتوم، وفي الحديث دليل على أن الخيط الأبيض: هو الصباح، وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر، فلا يوجد هناك سحور بعد الفجر، وهذا بدلالة الأحاديث والآيات، وكأنه يشير هنا إلى الخلاف الواقع في هذه المسألة، ولذلك سينقل لنا الإجماع بعد ذلك على أن الطعام والشراب وغيرهما مفطرات إذا طلع الفجر، ثم قال: إلا الأعمش وحده فقد شذ ولم يعرج أحد على قوله، وكأن الأعمش وحده يرى جواز الأكل والشرب حتى تطلع الشمس، أي: يرى جوازه في وقت الإسفار بين الفجر وطلوع الشمس! ثم قال: والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هو الذي دلت عليه الآية، قال ابن عبد البر: هذا قول جماعة علماء المسلمين.