وأما التنكيس الذي نهينا عنه فهو في السورة الواحدة، وهو: أن تقرأ من آخر السورة إلى أولها، وليس من التنكيس أن تقرأ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وبعدها: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، فليس هذا تنكيساً، إنما التنكيس أن تبدأ بالسورة الواحدة من آخرها، مثل أن تقرأ: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6]، ثم الآية التي قبلها، والتي قبلها، حتى تصل إلى أولها، وقد كان الشعراء يفعلون ذلك؛ لبيان جودة حفظهم، وقوة قريحتهم وذاكرتهم، فكان الشاعر يقرأ القصيدة من أولها إلى آخرها، ثم يعيدها من آخرها إلى أولها، ولذلك كانت قصائد أهل الجاهلية غير متصلة ببعضها، وإنما كان كل بيت وحده، ويصلح أن تضع قبله أو بعده غير ما ذكر، إلا إذا قصد الشاعر أن يصل البيت بغيره.
والمقصود من ذلك: أنه لابد من مراعاة ترتيب السورة من أولها إلى آخرها عند قراءة القرآن، ولا يجوز التنكيس في السورة الواحدة، أما قراءة سورة قبل سورة، وسورة بعد سورة فهذا لا شيء فيه، وذلك مثل أن تقرأ في الصلاة في الركعة الأولى بسورة الفاتحة و: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).
وفي الركعة الثانية تقرأ الفاتحة وبعدها بسورة أخرى، فليس هذا تنكيساً.
يقول الإمام النووي: وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفق على منعه وذمه؛ لأنه يذهب بعض أنواع الإعجاز، ويزيل حكمة الترتيب، وأما تعليم الصبيان من آخر الختمة إلى أولها فلا بأس، وليس هذا خاصاً بالصبيان فقط، بل كل من يحفظ القرآن إذا بدأ من آخر المصحف إلى أوله فلا شيء في ذلك.