سميت ليلة القدر بليلة الحكم, لأن الله يحكم فيها بما يشاء, فهي ليلة قدر، قال الله فيها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الدخان:4 - 6] فالله عز وجل يقدر في هذه الليلة بما في أيدي الملائكة من صحف ما قدره قبل أن يخلق الخلق, فينسخ من اللوح المحفوظ ما يكون من أعمال السنة, فتكتب الملائكة ما قدره الله عز وجل على العباد في خلال هذه السنة في ليلة القدر، قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] قال العلماء: معناه أن الله تعالى يأمر الملائكة فيها أن تكتب في تلك السنة، وما يكون فيها من الأرزاق والآجال وغير ذلك, ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك قد سبق في علم الله سبحانه وتقديره, فسميت ليلة القدر بليلة الأقدار.
وليلة القدر هي الليلة العظيمة القدر التي لها شأن عظيم عند الله وعند خلق الله سبحانه وتعالى, قال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر:1 - 2] أي: ما أعظم هذه الليلة، فهي ليلة عظيمة {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:3 - 4] الملائكة تنزل من السماء, والروح هو جبريل فهو روح القدس، فينزلون جميعاً من السماء إلى الأرض, ويسلمون على المؤمنين كما ذكر في أثر عن ابن عباس أنه قال: (يسلمون على كل مؤمن ومؤمنة -أو على كل مؤمن- إلا مدمن خمر أو مصراً على معصية أو كاهناً أو مشاحناً) فمن أصابه السلام غفر له ما تقدم من ذنبه.
فالملائكة تنزل ونحن لا نراها، لكن نؤمن بما قاله ربنا سبحانه تبارك وتعالى.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) أي: من قام ليلة القدر مؤمناً بأنها الليلة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، -والله ذكر كلاماً صدقاً يعلمنا ويحثنا على العبادة- فهو مؤمن بذلك ومصدق أن هناك ليلة قدر في رمضان, وهي ليلة من ليالي هذا الشهر العظيم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قامها مؤمناً بها، وأنها خير من ألف شهر محتسباً أجرها, أي: طالباً الأجر من الله, لم يقم رياء وسمعة, وإنما قام يطلب من الله أن يؤجره على ذلك, غفر الله له ذنوب السنين الماضية كلها.
فرحمة الله عظيمة واسعة, فالصيام يكفر الله عز وجل به الذنوب, كصيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين.
وصيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة, وقيام ليلة القدر يكفر الذنوب من ساعة ما يولد الإنسان حتى هذه الليلة, أي: ما تقدم من الذنوب، فمن قامها راجياً فضل الله سبحانه, تائباً إليه مؤمناً مصدقاً غفر له ما تقدم من ذنبه.