النوع الثاني: نوع من الإرسال متصل، لكن كيف يكون مرسلاً ومتصلاً في الوقت نفسه؟ الصحابة كلهم عدول، فإذا سمع صحابي النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام ارتد ذلك الصحابي، ثم رجع إلى الإسلام مرة ثانية، ففي حال ردته هو كافر، لا يجوز حمل حديثه، ولما رجع مرة ثانية إلى الإسلام قال العلماء: إن هذا يسمى تابعياً؛ لأنهم لما وضعوا حداً لتعريف الصحابي قالوا: الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، أي: لم تتخلل فترة إيمانه بالنبي عليه الصلاة والسلام ردة، أما من ارتد فليس له صحبة، ولا ينال شرف الصحبة؛ تأديباً له على ردته، فذلك الصحابي الذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه الحديث نزل من رتبة الصحبة إلى رتبة التابعين؛ تأديباً له.
أما الحديث الذي رواه فله حكم الاتصال، وهو حديث موصول، ولكنه في التعريف والحد حديث مرسل، لكنه من باب المرسل الموصول؛ هذه صورة.
الصورة الثانية: رجل لم يؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان يجالسه ويسمع منه الحديث، كمشركي مكة ويهود المدينة وغيرهم، فهؤلاء لما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة وآمنوا بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام لا يحكم لهم بالصحبة، ويسمون مخضرمين، أدركوا العهدين: أدركوا الجاهلية وأدركوا الإسلام، ففي هذه الحالة نسميهم تابعين، لكن حديثهم موصول، ونحن قلنا: إن الحديث الصحيح شرطه أن يكون الراوي مسلماً، فكيف يصحح حديث هؤلاء؟
و صلى الله عليه وسلم أنه لا يشترط أن يكون الراوي عندما يتحمل حديثاً مسلماً، ولو أدى ما سمعه حال كفره بعد إسلامه قبل، مثال ذلك: رجل مشرك سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلام، ولكنه لم يسلم إلا بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، ثم حدث بهذه الأحاديث التي سمعها في حال كفره، فتقبل منه وتعد موصولة وهو ليس بصحابي؛ لأن الصحابي هو من لقي النبي عليه الصلاة والسلام -وهذا لقيه- مؤمناً به، وهذا لم يكن مؤمناً في حال حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ونحن نقول في الصحابي: هو من لقي النبي عليه الصلاة والسلام مؤمناً به ومات على ذلك.