ذكرنا أن أي نوع من الأنواع لو تعرضنا له لا بد أن نعرج على معناه اللغوي قبل معناه الاصطلاحي، فما معنى المرسل في اللغة؟ المرسل في اللغة: اسم مفعول من أرسل، بمعنى أطلقه ولم يقيده، فقولي مثلاً: أرسلت الحمامة في الهواء، أرسلت السمكة في الماء، بمعنى: أطلقت لها العنان والسراح، سواء في الجو أو في البحر، أو تقول: أرسلت رجلاً في الطريق، أو تقول: ناقة مرسال، بمعنى: سريحة غير مقيدة.
فعلماء المصطلح اصطلحوا على تسمية الحديث الذي رواه التابعي ولم يقيده بصحابي عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقالوا: إن هذا الحديث يسمى مرسلاً؛ لأن التابعي أرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقيده بالصحابي الذي سمعه منه؛ دل ذلك على أن العلاقة وثيقة بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي، هذا من حيث اللغة، أما من حيث الاصطلاح فله تعريفان: التعريف الأول: هو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي، سواء كان صغيراً أو كبيراً.
لماذا ذكرت هذه التفرقة؟ لماذا لم أقل: هو ما سقط من إسناده رجل بعد التابعي أو الصحابي الذي بعد التابعي؟ لأن بعض العلماء قالوا: يفرق بين مرسل كبار التابعين ومرسل صغار التابعين، فما هو الفرق؟ قال: الغالب في مرسل كبار التابعين أنهم يروون عن الصحابة مباشرة، وأما صغار التابعين فإنما يروون عن كبار التابعين.
إذاً: مرسل صغار التابعين يمكن أن يكون السقط فيه اثنين: التابعي الكبير والصحابي، فيكون في هذه الحال معضلاً؛ لأنه سقط فيه اثنان وراء بعض، هذا بالنسبة لصغار التابعين.
أما كبار التابعين فالغالب أنه سقط واحد فقط، لكن لا يوجد يقين.
فيقول هنا: المرسل اصطلاحاً: هو ما سقط من آخر إسناده من جهة التابعي.
وقد قلنا قبل: إن المعلق هو ما سقط من أول إسناده رجل من جهة المصنف؛ لأن للإسناد آخرين وأولين، فيمكن أن تقول: من أول الإسناد من جهة الصحابة، ويمكن أن تقول: من آخر الإسناد من جهة الصحابة.
فللمرسل اصطلاحاً معنيان: المعنى الأول: هو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي، سواء كان هذا التابعي صغيراً أو كبيراً؛ كأن يقول التابعي الإمام ابن شهاب الزهري -مثلاً-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـ الزهري من صغار التابعين، ونحن عندما نتكلم عن الصغار نعني الإدراك، فـ سعيد بن المسيب أدرك كثيراً من الصحابة، وكان متزوجاً بنت أبي هريرة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى أدرك مائة وعشرين من الصحابة، وهو القائل: أدركت مائة وعشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد تعرض عليه الفتوى إلا ود أن أخاه كفاه.
فهذا نص صريح وصحيح عنه في أنه أدرك مائة وعشرين صحابياًَ، فمن أدرك مائة وعشرين صحابياً -على اختلاف الصحابة في أسنانهم وتضلعهم في العلم- هل يقال عنه: إنه من صغار التابعين أم أنه من كبار التابعين؟
صلى الله عليه وسلم يقال: إنه من كبار التابعين.
وقيس بن أبي حازم كذلك، فـ قيس بن أبي حازم وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن المسيب كل هؤلاء من كبار التابعين الذين أدركوا جلة من الصحابة، بخلاف الزهري وأمثاله، والحسن البصري كان من الكبار، لكن الحسن البصري مراسيله مردودة؛ لأنها من أضعف المراسيل؛ لأن الحسن اتهم بالتدليس، ودلَّس عن الصحابة وعن غيرهم من التابعين، بل لما تتبع بعض أهل العلم مراسيل الحسن وجدوه يدلس عن الضعفاء والثقات في وقت واحد.
فعلى أي حال المرسل هو أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول: إن المعنى الأول لمعنى المرسل من حيث الاصطلاح: هو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي، كأن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعي لم يدرك النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان أدركه لجاز له أن يقول: قال رسول الله، وحدثنا رسول الله، وبهذا يكون صحابياً وليس تابعياً، إنما التابعي هو من أدرك الصحابي، والصحابي هو من لقي النبي عليه الصلاة والسلام؛ فهذا هو التعريف الأول.