قال: وما قيل من أن تفسير الصحابي في حكم المرفوع فإنما ذلك فيما كان سبب نزول أو نحو ذلك.
وهكذا إذا قال الصحابي كلاماً لابد أن يكون مصدره وحياً، والصحابي لا ينزل عليه الوحي.
بل الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل، وكذلك ينزل على أولياء الشيطان من شياطينهم.
ذهبت مرة لأناقش شخصاً من جماعة التوقف والتبين في الإسماعيلية، فسألته سؤالاً، فقال: لحظات لو سمحت، فدخل ثم رجع فقال لي: أنت كافر، فقلت له: من قال لك ذلك؟ قال: جبريل، قلت له: متى قال لك ذلك؟ قال: الآن، وإذا لم تصدق فائت لأريك، فذهبت لأرى، فدخلت مجاراة له، فقلت له: أين جبريل؟ فقال: هذا هو، ألا تراه؟ فقلت له: لا، فقال لي: أنت أعمى.
وشيخ الإسلام ابن تيمية تكلم عن هذه المسألة بالتفصيل في كتاب الفرقان بين الحق والباطل، فقال: إن الشياطين تتمثل لأوليائها كأنها رجال أو إناث أو ملائكة، ويرونهم ويتعاملون معهم، ولا يراهم أحد إلا من تعامل معهم ووالاهم.
فأنا قلت له: أنا أصدقك أن هناك شخصاً في هذه الغرفة تراه أنت ولا أراه أنا، وهذا الشخص محل خلاف بيني وبينك، أنا أقول: إنه شيطان، وأنت تقول: إنه جبريل، وما كان لجبريل أن يتمثل لأمثالك، فقال: هذا هو العمى والضلال الذي نهانا عنه شيخنا أن نتحدث مع أمثالكم فيه.
ولما مات أبوه بسببه تأثر لذلك، وفي الوقت نفسه وافق موت أبيه ضربة ساخنة له من ذلك الولي والعبد الصالح الذي كان يأخذ منه، فرأى أن العملية فيها فقد من ناحيتين: ضرب وموت، فعند أن هداه الله ظل يسأل عني إلى أن وصل، فلما رأيته قلت: أنا رأيت هذا الرجل من قبل، فقلت له: أنت ذلك العبد الصالح؟ فاستحى ونكس رأسه إلى الأرض وقال: ذلك كان في الماضي، وأنا أستغفر الله مما كان، فقلت: عفا الله عما كان، وأسأل الله تعالى أن يعفو عنك، ولكن من الذي كان وراءك؟ فظل يحكي لي ما حصل له من مصائب.
فالصحابي إذا تكلم في تفسير القرآن الكريم بكلام لا يتفق له نقول: عرف الصحابي هذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهو لما يتكلم عن النار ووصف النار والجنة ووصف الجنة ويتكلم عن الحساب والجزاء والصراط وغير ذلك، هل هذا الصحابي رأى هذه الأشياء؟ لم ير شيئاً من ذلك، لكننا نقبل كلام هذا الصحابي؛ لأننا أحياناً نضطر أن نأخذ كلام الصحابي في الغيبيات، ويكون في حكم المرفوع.
والصحابة أنفسهم اختلفوا في تفسير القرآن الكريم، فتجد الآية الواحدة والكلمة الواحدة اختلف فيها الصحابة اختلافات كثيرة واختلافات عدة، فيتعذر أن كل قول من أقوالهم يكون في حكم المرفوع.
إذاً: هذا الكلام يحتاج إلى تقييد؛ فحتى أعتبر أن كلام الصحابي موقوف في حكم المرفوع يلزم منه شرطان: الشرط الأول: أن يكون هذا الكلام فيما لا يعرف إلا بوحي؛ لأن الصحابي لا ينزل عليه الوحي، فما يدريه بوصف عالم الغيب، فلابد وأن يكون هذا الكلام أتاه من قبل الوحي، أي: من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كل ما في هذا: أنه قصر في ذكر النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الكلام موقوف على الصحابي، ولكنه في حكم المرفوع؛ لأن هذا الكلام لا يمكن أن يجتهد فيه الصحابي؛ لأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه.
الشرط الثاني: أن هذا الصحابي الذي أتى من طريقه هذا الخبر لم يكن يروي عن أهل الكتاب، وليس له علاقة بالكتب السابقة؛ لأن كثيراً من الصحابة كان يأخذ عن الأحبار والرهبان، وهم يروون من كتبهم ما وافق الكتاب، وما خالف الكتاب أو ليس في الكتاب؛ لأن الإسرائيليات على ثلاثة أنواع: منهما ما وافق الكتاب فهو حق.
ومنها ما خالف الكتاب فهو باطل.
ومنها ما لم يكن فيه مخالفة ولا موافقة فلا نكذبهم ولا نصدقهم.
وهذا معنى حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان الصحابي لا يعلم عنه أنه أخذ عن أهل الكتاب، وأن ما رواه لا يمكن أن يقع له إلا من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من أمور الغيب التي لا يعلمها أحد إلا بالوحي؛ ففي هاتين الحالتين أقول: إن كلام الصحابي هذا موقوف عليه، ولكنه في حكم المرفوع.