ضابط المستدركات

مثال المستدرك: أن البخاري يقول: أنا سأخرج الأحاديث التي توافر فيها الشرط الفلاني والشرط الفلاني، فخرج والتزم هذا الشرط، ولكن فاتته أحاديث، فعندما آتي وأستدرك عليه الأحاديث التي لم يخرجها وهي على شرطه، ففي هذه الحالة سأقول: إنني استدركت على البخاري حديثاً على شرطه ولم يخرجه في الصحيح، مثلما فعل الحاكم في مستدركه صنع هذا الصنيع، أورد أحاديث يستدرك فيها ما فات البخاري ومسلم في صحيحيهما، ويقول: هذا حديث على شرط البخاري ولم يخرجه هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجه هذا الحديث على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه؛ فكأنه يستدرك عليهما ما فاتهما مما توافرت فيه الشروط.

ولا يشترط أن يلتقي مع المصنف وشيخ شيخه أو في شيخه كما هو في المستخرج، وكذلك يشترط في المستدرك ألا يكون من نفس طريق المستدرَك عليه، الذي هو البخاري ومسلم؛ لأنه إذا التزم إسناده، ففي هذه الحالة لا تقدر أن تقول: إن الحاكم في هذه الحالة استدرك عليه؛ فلا بد أن يكون إسناد المستدرِك من غير طريق المستدرَك عليه.

والإمام الدارقطني عمل كتاباً على الصحيحين اسمه: الإلزامات والتتبع، ومعنى الإلزامات، أي: الاستدراكات، أي: أن الإمام الدارقطني يلزم البخاري ومسلماً بإخراج الحديث الذي فاتهما؛ لأنه قد تحقق فيه شروط البخاري ومسلم، أو شروط البخاري، أو شروط مسلم، فيقول: إن هذا الحديث على شرط البخاري ولم يخرجه، أو على شرط مسلم ولم يخرجه، أو على شرطهما ولم يخرجاه، ففي هذه الحالة وكأنه يلزم الإمام البخاري أو الإمام مسلماً أنه كان ينبغي لهما أن يخرجا هذا الحديث، ولذلك سماه: الإلزامات.

أما مسألة التتبع فهي تتبع أحاديث الصحيحين التي لم تكن على شرط صاحبها، بأن يتتبع بعض الأحاديث عند البخاري لم يتوافر فيها الشرط، فهو تتبع البخاري حديثاً حديثاً، ومسلماً حديثاً حديثاً، فأي حديث وجد أنه ليس من شرط البخاري بين أنه لم ينطبق فيه شرطه، وليس معنى ذلك أن الحديث ضعيف؛ لأن هذه الشروط إنما هي في داخل الكتاب فقط، ليس في أصل الصحة.

يقول الحافظ ابن الأخرم: قل ما يفوت البخاري ومسلماً من الأحاديث الصحيحة.

ابن الأخرم يقول: إن البخاري ومسلم لم يتركا من الحديث الصحيح إلا القليل جداً، وابن الأخرم رجل عالم، وحتى نحسن الظن به نقول: هذا الكلام صحيح إن كان يقصد شرط البخاري ومسلم، فيكون فاتهما الشيء القليل، إنما لو كان يقصد مطلق الصحة فلا وألف لا، وهذا الكلام مردود؛ لأن البخاري نفسه فيه من الأحاديث الصحيحة أربعة ألاف فقط.

والبخاري نفسه يقول: أحفظ من الصحيح مائة ألف، يعني: ستة وتسعون ألف حديث صحيح كانت عند البخاري من حفظه لم يخرجها في الصحيح، فهل يستقيم هذا الكلام مع كلام ابن الأخرم: أن البخاري ومسلماً رويا من الصحيح شيئاً يسيراً جداً؟ أبداً، لكن لو كان ابن الأخرم يقصد ما كان على شرطهما فكلامه بلا شك معقول شيئاً ما، أما إذا كان يقصد مطلق الصحة فهذا الكلام مردود بلفظ البخاري ولفظ مسلم أيضاً.

وابن الصلاح ناقش ابن الأخرم في ذلك، وذكر أن الحاكم قد استدرك عليهما أحاديث كثيرة، وإن كان في بعضها مقال، إلا أنه يصفو له شيء كثير؛ لأن الحاكم استدرك على البخاري ومسلم أحاديث كثيرة، هذه الأحاديث ربما تكون في ظن الحاكم في محلها، والصحيح والصواب غير ذلك؛ لأن مستدرك الحاكم فيه الصحيح والحسن والضعيف، بل والموضوع، فكيف يكون صحيحاً، بل كيف يكون على شرط البخاري ومسلم؟! والكلام عليه سيأتي.

قال ابن كثير: وفي هذا الكلام نظر؛ فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما؛ لضعف رواتها عندهما أو لتعليلهما ذلك.

والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015