المذهب الأول: من يفسر نصوص الوعيد بأنها من باب كفر النعمة

المذهب الأول: هو قول من يذهب إلى تفسير هذه النصوص بأنها من باب كفر النعمة، وقد اعترض المصنف على هذا بأن العرب لا تعرف هذا الطرد ..

وهذا صحيح؛ فلا يجوز أن تفسر جميع هذه النصوص في جميع مواردها بأنها من باب كفر النعمة؛ لأن كفر النعمة هو الجحد للآلاء

أو ما إلى ذلك، هذا هو الذي تعرفه العرب.

ولكن ينبه إلى أن المصنف رحمه الله لم يرد إبطال هذا التفسير في جميع الموارد، وإنما أراد إبطال الطرد له، وإلا فإن الله يقول: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:2 - 3] فلا شك أن من خالف فقد كفر شيئاً من النعم.

إذاً أراد المصنف أن بعض الأحاديث لا تناسب هذا التفسير لغة ..

وهذا صحيح، أما أن هذا حكم على جميع مواردها ..

فهذا لم يرده المصنف، وإنما الذي أراد نفيه: أن هذا يسمى في باب كفران النعم.

وكأن المصنف إنما رفض هذا التفسير طرداً؛ لأنه من جنس تفسير الإباضية من الخوارج؛ فإنهم يحملون أحاديث الوعيد على تفسير واحد، وهو أنها تدل على كفر النعمة، فالجمهور من الخوارج يقولون: مرتكب الكبيرة كافر كفر ملة.

والإباضية منهم يقولون: كافر كفر نعمة؛ فالتزموا تفسير جميع هذه الأحاديث بكفران النعمة.

وهذا الطرد مخالف للغة، ومخالف لطريقة السلف، فقد كان السلف يفسرون كل وعيد من الوعيد الاسمي بحسب ما يقتضيه السياق، فقد يكون السياق يقتضي أنه كفر نعمة فيجعلونه كفر نعمة، وقد يكون السياق يقتضي غير ذلك فيفسرونه بموجبه.

وقد يقال: إن كل من عصى الله سبحانه وتعالى فإنه يلزمه أن يكون كافراً لشيء من نعمه.

فيقال: إن هذا من باب اللوازم صحيح، ولكن فرق بين تفسير الاسم بحقيقته وتضمنه وبين تفسيره بلازمه؛ فإن الأسماء تفسر بحقائقها المطابقة أو المتضمنة، وأما اللوازم فإنها باب آخر.

فصحيح أن كل من أتى كبيرة من الكبائر فقد كفر؛ لأن الله لم يجعل الناس إلا أحد شخصين: إما شاكراً وإما كفوراً، ولكن هذا من باب اللوازم في بعض الموارد، وقد يكون من باب المطابقة في بعض الموارد، وأما جعله مطرداً مطابقاً، فهذا هو الذي أراد المصنف عيبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015