هو أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي، الإمام المجتهد البحر اللغوي الفقيه، صاحب المصنفات، ولد بهراة سنة سبع وخمسين ومائة، وكان أبوه عبداً رومياً لبعض أهل هراة، سمع جماعة من الأئمة الثقات مثل: سفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية ويزيد بن هارون ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وحماد بن سلمة، وغيرهم، وحدث عنه الإمام الدارمي وأبو بكر بن أبي الدنيا وعلي بن عبد العزيز البغوي ومحمد بن يحيى المروزي وآخرون.
قال الإمام إسحاق بن راهويه: الله يحب الحق، أبو عبيد أعلم مني وأفقه، وقال أيضاً: نحن نحتاج إلى أبي عبيد، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا.
وقال أحمد بن حنبل: أبو عبيد أستاذ وهو يزداد كل يوم خيراً.
وسئل يحيى بن معين عنه فقال: أبو عبيد يسأل الناس عنه.
وقال أبو داود: ثقة مأمون.
قال الحافظ الذهبي: من نظر في كتب أبي عبيد علم مكانه من الحفظ والعلم، وكان حافظاً للحديث وعلله، عارفاً بالفقه والاختلاف، رأساً في اللغة، إماماً في القراءات له فيها مصنف، وقع لي من تصانيفه كتاب الأموال، وكتاب الناسخ والمنسوخ.
ولذلك لما كان محدثاً فإنه يروي هذه الرسالة بالأسانيد بعضها مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها موقوفاً على الصحابة، وبعضها موقوفاً على من بعدهم.
وقال الخطيب البغدادي: وكان ذا فضل ودين وفكر ومذهب حسن، وكتبه مستحسنة مطلوبة في كل بلد، والرواة عنه مشهورون ثقات، ذو ذكر ونبل، وكتابه الأموال من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده.
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: ومع هذه المناقب والفضائل فإن الأئمة الستة لم يخرجوا له شيئاً من الحديث، فذلك من الأدلة الكثيرة على أنهم لم يخرجوا لجميع رواة الحديث الثقات، فلا غرابة بعد هذا ألا يخرج البخاري لبعض رواة أهل البيت الثقات منهم، رضي الله عنهم.
ومن كلام أبي عبيد رحمه الله تعالى: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل.
قلت: هذا في زمانه، فماذا يقال في زماننا؟! أقام رحمه الله ببغداد مدة، ثم ولي القضاء بطرسوس، وخرج بعد ذلك إلى مكة فسكنها حتى مات بها سنة أربع وعشرين ومائتين.
وبهذا يتبين أن الإمام أبا عبيد رحمه الله له عناية بالحديث والفقه والتوحيد والعقيدة.