وأول من قال بالإرجاء حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة ولكن خلافهم له آثار تترتب عليه، فإنهم وإن وافقوا أهل السنة والجماعة في أن الأعمال لابد منها، وأن العمل واجب، وأن الواجبات واجبات، والمحرمات محرمات، وأن فاعل الواجب يستحق الثواب ويمدح على فعله، وفاعل المعصية والكبيرة يذم ويستحق الوعيد، ويقام عليه الحد إن كان لهذه المعصية حد، إلا أن خلافهم له آثار ترتبت عليه، حتى قال بعض أهل العلم: إن فتنتهم أشد من فتنة الأزارقة، وهم الخوارج؛ وذلك لأنهم خالفوا النصوص لفظاً، وإن وافقوها معنى.
والواجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يوافق النصوص لفظاً ومعنى، وليس له أن يخالف النصوص لا لفظاً ولا معنى.
من آثار خلاف مرجئة الفقهاء -وهم الأحناف- مع جمهور أهل السنة: قولهم: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، ففتحوا باباً للمرجئة المحضة، وهم الجهمية، فقالوا: إن الأعمال ليست واجبة وليست مطلوبة.
ومن الآثار التي ترتبت على خلافهم: أنهم فتحوا باباً للعصاة والفسقة، فيأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كإيمان جبريل وميكائيل وكإيمان أبي بكر وعمر! فإذا قيل له: إن أبا بكر وعمر لهما أعمال عظيمة، فقال: ليس الخلاف في الأعمال، الأعمال شيء والإيمان شيء آخر، أنا مصدق وأبو بكر وعمر مصدقان كل منهما مصدق! ومن الآثار كذلك: خلاف الأحناف ومرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة في مسألة الاستثناء في الإيمان، وهي قول: أنا مؤمن إن شاء الله، فمرجئة الفقهاء لا يرون الاستثناء ويمنعونه، ويقولون: إن من استثنى فهو شاك في إيمانه، ويسمون الذين يستثنون في إيمانهم: الشكاكة.
أما جمهور أهل السنة فإنهم يفصلون، ويرون أن المستثني إن قصد الشك في أصل إيمانه فهو ممنوع من الاستثناء، أما إن نظر إلى أعمال الإيمان وأنها متعددة، وأن الواجبات كثيرة، وأن الإنسان لا يزكي نفسه، ولا يجزم بأنه أدى ما عليه، فإنه يستثني في هذه الحالة، وكذلك إذا استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة فإنه يستثني، كذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله فله أن يستثني.
فالمقصود أن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة ليس خلافاً لفظياً من جميع الوجوه، كما قاله شارح الطحاوية رحمه الله، ولكنه خلاف له آثار تترتب عليه كما ذكرنا مسبقاً.