قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا حين سأله الذي عليه رقبة مؤمنة عن عتق العجمية فأمر بعتقها وسماها مؤمنة].
هذا حديث معاوية بن الحكم السلمي وهو في صحيح مسلم، والشاهد فيه: أنه كان له جارية أعجمية، أي: وليدة، وكانت راعية لغنمه، فجاء الذئب وأخذ شاة وهي تنظر، فغضب عليها وقال: كيف تتركين الذئب يأكل الشاة؟! فصكها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فشدد عليه النبي صلى الله عليه وسلم الأمر وقال: كيف تعتدي عليها؟! فقال: يا رسول الله! إني آسف كما يأسف الناس، وأغضب كما يغضب الناس، وإن الذئب أخذ شاة فصككتها، فلما شدد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله! إنها حرة لوجه الله، فقال النبي: (أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار) وقال له: ائت بها، فسألها فقال: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإنها مؤمنة) وهذا فيه رد على أهل البدع الذين ينكرون علو الله، وأن الله فوق العرش وفوق السماوات، ويقولون: إن الله ليس فوق السماوات، ويقولون: إن الله في كل مكان، وهذا كفر وضلال.
فهم يقولون: لو قلت: إن الله في السماء لجعلت الله في حيز، وهو في الجهات كلها.
فإذا قيل لهم: هذا الحديث في صحيح مسلم شهد فيه النبي لهذه الأعجمية بالإيمان بعد أن قال لها: أين الله؟ فقالت: في السماء، قالوا: لا، هذه الأعجمية لا تفهم، والرسول صلى الله عليه وسلم سألها سؤالاً فاسداً يناسب عقلها، وأجابت بجواب فاسد، وأقرها على جواب فاسد؛ لأن هذا هو الذي كانت تفهمه! فاتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا -والعياذ بالله- من التعنت ومن الانحراف ومن الزيغ في تأويل النصوص.
فالمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أعِتقها فإنها مؤمنة) فسماها مؤمنة، فهل هذا معناه أنها حصلت على كمال الإيمان أو حصلت على أصل الإيمان؟
صلى الله عليه وسلم أنها حصلت على أصله، فآمنت بالله وبرسوله، فغلط المرجئة وظنوا أن إيمانها كامل ولو لم تعمل، كما غلطوا في تأويل حديث جبريل.