قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلبثوا بذلك برهة من دهرهم، فلما أن داروا إلى الصلاة مسارعة وانشرحت لها صدورهم أنزل الله فرض الزكاة في إيمانهم إلى ما قبلها فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]].
يقول المؤلف رحمه الله: لبث المسلمون بعد هجرتهم إلى المدينة برهة من دهرهم -أي: وقتاً من الزمان- وقد قبلوا الصلاة وتوجهوا إلى بيت المقدس، ثم نسخ الله توجههم إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة، وقبلوا شرع الله وسارعوا إلى مرضاته، وامتثلوا أمره وانشرحت لذلك صدورهم، ورضيت به نفوسهم، وبعد ذلك أنزل الله فرض الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، فصار قبول فرض الزكاة والإيمان والتصديق بذلك من الإيمان، فأضافه الله إلى إيمانهم فصار داخلاً في مسمى الإيمان، ولهذا قال رحمه الله: [أنزل الله فرض الزكاة في إيمانهم إلى ما قبلها] يعني: من فرضية الصلاة، يعني: ضم فرضية الزكاة إلى فرضية الصلاة في الإيمان، فأنزل الله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فقرن الله الزكاة بالصلاة، وقد قرن الله تعالى الزكاة بالصلاة في مواضع كثيرة من كتابه، فهي أختها، ولهذا يقول القحطاني رحمه الله في نونيته: فصلاتنا وزكاتنا أختان وقال سبحانه في بيان وجوب الزكاة وفرضيتها مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103]، يعني: الزكاة.
{تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]، فهذا أمر من الله تعالى بأخذ الزكاة.
وقوله: (تطهرهم) يعني: تزكي نفوسهم، فالزكاة تطهر نفس المزكي من أدران الشح والبخل واللؤم، وتطهر المال وتحفظه، ولهذا قال: ((تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)).