قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والشهيد على أن الصلاة من الإيمان قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:143]].
لعله أراد بالشهيد: الشاهد الذي هو الدليل، فالدليل على أن الصلاة من الإيمان قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:143]، ويتبين هذا بمعرفة سبب نزول هذه الآية الكريمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وهاجر المسلمون وجههم الله إلى بيت المقدس للصلاة ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، ثم حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فتوجه المسلمون إلى الكعبة، حتى إن أهل قباء لم يبلغهم تحويل القبلة إلا في صلاة الفجر، وقد كان تحويل القبلة في صلاة العصر، فذهب ذاهب إلى أهل قباء فوجدهم يصلون إلى بيت المقدس، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حولت القبلة إلى الكعبة، فاستداروا وهم في الصلاة إلى الكعبة، فكانوا في أول صلاتهم متجهين إلى بيت المقدس وفي آخرها متجهين إلى الكعبة، فلما تحولوا صارت النساء مكان الرجال، وصار الرجال مكان النساء.
وسمي هذا المسجد بمسجد القبلتين، وهذا من كمال طاعتهم لله ولرسوله، وفيه دليل على قبول خبر الواحد.
وقد مات بعض الصحابة قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة، فقال بعض المسلمين: كيف حال إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس وقد حولت القبلة إلى الكعبة؟ فأنزل الله هذه الآية: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:143]، والمراد بقوله: (إيمانكم) أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيماناً، فالمسلمون الذين توفاهم الله وهم يصلون إلى بيت المقدس لا لوم عليهم؛ لأنهم ممتثلون لأمر الله، وإيمانهم وعملهم صحيح في ذلك الوقت، وهو مشروع، فلهم إيمانهم ولهم عملهم، والله لا يضيع إيمانهم.
وهذه الآية من أقوى الأدلة في الرد على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، فإن الله سمى الصلاة إيماناً وهي عمل.
والمرجئة -كما سبق- طائفتان: مرجئة محضة، وهم الجهمية، ومرجئة الفقهاء، وهم أهل الكوفة.
فـ أبو حنيفة وأصحابه يرون أن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، ولكنها مطلوبة، وأما المرجئة المحضة فيرون أن الأعمال ليست مطلوبة، فالآية فيها رد على الطائفتين من المرجئة، وذلك أن الله تعالى سمى الصلاة إيماناً، والصلاة عمل، فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: والشهيد -أي: الدليل- على أن الصلاة من الإيمان قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإنما نزلت في الذين توفوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على الصلاة إلى بيت المقدس، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية].
والحديث ثابت في صحيح البخاري.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأي شاهد يلتمس على أن الصلاة من الإيمان بعد هذه الآية؟!].
يعني: فأي دليل يطلب على أن الصلاة من الإيمان بعد هذه الآية؟! فهذه الآية صريحة وواضحة في أن الأعمال من الإيمان؛ لأن الله سمى الصلاة إيماناً وهي عمل، فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وهذا يرد قول المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال ليست من الإيمان.