قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أصابتني العزبة)]، يعني: شق علي العزوبية، أنا من غير زوجة.
وهذا قد شق علي يا رسول الله! قال: [(أصابتني العزبة وليس بيدي شيء فأنكح النساء)].
إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، لم يقل: يا معشر الشباب تزوجوا، أو لابد أن تتزوجوا، فإن ترك الزواج ترك للتوكل على الله، أتريد أن تسيء الظن بربك؟ إن الله يقول: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32]، لا.
لم يقل ذلك، وإنما شرط الزواج بالاستطاعة.
قال: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم)، فلم يقل: على المسلم الزواج استطاع أم لم يستطع، إنما قال له: (فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) أي: وقاية من فتن العزوبة.
قال: [(أصابتني العزبة وليس بيدي شيء فأنكح النساء، وأنا أتخوف على نفسي فتأذن لي فأختصي؟)]، والاختصاء: هو أن يأخذ شهوته من مبيضه، أو ينزع المبايض فلا يكون له بعد ذلك شهوة، فيرى أذم امرأة كما يرى أجمل امرأة، الثنتان عنده سواء؛ فلا يبالي بالنساء.
قال: [(فتأذن لي فأختصي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا أبا هريرة! جف القلم، فاختص على ذلك أو اترك)]، يعني: الله سبحانه وتعالى كتب أن أبا هريرة سيختصي أو لا يختصي، فإذا اختصيت يا أبا هريرة! فقد وافقت ما في الكتاب الأزلي، وإذا تركت الاختصاء فقد وافقت ما في الكتاب الأزلي، فكأنه يقول: أتستشيرني في الاختصاء؟ فلو أني أفتيتك بالاختصاء فسيوافق ما قلته لك ما قد كتب أولاً، وإذا منعتك عن الاختصاء فسيوافق المنع لما قد كتب أولاً، ولا بأس يا أبا هريرة! سأتركك لاجتهادك، تختصي أو لا تختصي.
افعل ما تشاء.
ففي هذه الحالة لو أن أبا هريرة اختصى هل يخالف المكتوب له أزلاً؟
صلى الله عليه وسلم لا.
ولو ترك الاختصاء كذلك لا يخالف؛ لأن الله تعالى علم أن أبا هريرة سيتردد في هذه المسألة وسيسأل النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم سيجيبه بذلك، وأن أبا هريرة يجتهد في أن يختصي أو يدع، وفي نهاية الأمر ترك أبو هريرة الاختصاء، وهذا بلا شك موافق لما في الكتاب الأزلي.
أنت عندما تقول: يا رب! أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كان زواجي من فاطمة خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري آجله وعاجله؛ فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه.
وإن كان أمر زواجي من فاطمة شراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري آجله وعاجله؛ فاصرفه عني واصرفني عنه، ثم اقدر لي الخير حيث كان.
وفجأة تقول: ولكن يا رب! أنا أريد فاطمة، وقلبي في النهاية يا رب! يتقطع، ولو أن فاطمة تزوجت شخصاً آخر قد أقتلها وأقتله، معذرة يا رب! يقتضي الأمر هذا يا رب! وفي النهاية لا يتزوج فاطمة إلا إذا كان مكتوباً في اللوح المحفوظ أنه سيتزوجها، فيذهب لأبيها، وأبوها يوافق، ويقول له: وافقت يا بني! فادفع مبلغاً معيناً، فدفع المبلغ، وذهب وأتى بمهر وأمهرها وعقد عليها فهل أحد يستطيع النزاع، أو يستطيع التقدم لفاطمة؟ ثم في ساعة خلاف قال لها: أنت طالق، وانتهت القضية، فقد كتب في اللوح المحفوظ أن فاطمة لا يتزوجها علي أو لا يتزوجها إبراهيم، أو سعد أو محمد أو زيد أو عبيد، مع أنه قد استقر لديه أن فاطمة امرأته، لكنه مكتوب في اللوح المحفوظ أنها ليست امرأته ولا يبني بها، فلا يكون في علم الله وقدره إلا ما قدره وأذن في وقوعه في الكون مهما تمنى العبد، فإن ما يختاره الله تعالى لعبده خير مما يختاره العبد لنفسه.
ولو أن العبد آمن بذلك وسلم لاطمأن إلى قدر الله، فكيف يكون حال الشخص الذي يحب امرأة وتتزوج غيره؟ فإن حياته كلها ترتبك وتنقلب رأساً على عقب، ولا يريد الصلاة ولا يريد الصوم، وفي نفسه مغضب من إخوانه، ولا يريد السلام على أحد، ولا يريد أن يصلي جماعة مع الإمام، وكل شيء لا يعجبه، ودائماً تراه في نقد وسخط وعدم رضا، لماذا كل هذا؟ لأنه اكتشف أن فاطمة خطبها غيره.
وعندما يتزوج امرأة أصلح من فاطمة يقول: الحمد لله أن ذهبت فاطمة، الحمد لله أني لم أتزوجها.
أقول: هذا كلام محمود، لكن أقررت بذلك بعد أن اكتشفت أن زوجتك هذه ظفرها يساوي قيمة فاطمة؛ فلمَ لم تسلم من أول لحظة؟ إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)، ومضمون الحديث: إنما الصبر عند أول الصدمة، فمن الناس من يفهم أن الصبر عند الصدمة الأولى يعني: عند أول صدمة يصدمها الإنسان في حياته يكون الصبر عندها، وليس مطلوباً منه أن يصبر بعد ذلك.
وهذا خطأ.
إنما الصبر عند أول الصدمة، هذا هو الت