الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
أما بعد: فلا يزال الكلام في طاعة النبي عليه الصلاة والسلام موصولاً من خلال سنته بعد أن سردنا كثيرا ًمن الآيات التي تأمر بطاعته عليه الصلاة والسلام، وتبين هذه الآيات أن طاعة النبي عليه الصلاة والسلام طاعة لله عز وجل؛ لأنه لا يتكلم من عند نفسه، وإنما يتكلم بوحي من السماء.
وفي هذه الآثار والأحاديث التي سنسردها شاهد قوي جداً لتلك الآيات في لزوم طاعته عليه الصلاة والسلام، ومن تنكب طريق الطاعة لا بد أنه تنكب طريق الجنة، فإن الجنة مرهونة بطاعة النبي عليه الصلاة والسلام، وهي أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، وكذلك النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله.
فالله عز وجل إنما خلق الخلق وجعلهم قسمين خلق النار وقسم لها قسماً من خلقه، وقال: يا أهل النار! خلود بلا موت، وخلق الجنة وجعل لها قسماً من خلقه، وقال: يا أهل الجنة! خلود بلا موت.
والله عز وجل لو قذف العباد جميعاً في النار لكان ذلك بعدله سبحانه وتعالى، ولو شاء أن يدخلهم جميعاً الجنة لجعلهم مؤمنين أولاً، ولكن لا تستقيم الحياة إذا كان كل الناس كفاراً أو كلهم مؤمنين، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة:251]، فلا بد من الدفع، ولا بد من الجهاد، ولا بد من القتال؛ وهذا يستلزم أن يكون الناس فريقين: فريقاً مؤمناً، وفريقاً كافراً.
أما الكافر فإن الله تعالى أعد له النار، وأما المؤمن فإن الله تعالى أعد له الجنة، وجعل له منزلاً في النار إذا عصى، ورتب ذلك على مشيئته؛ فإن شاء عفا، وإن شاء أخذ عباده بذنوبهم.
والباب الذي نتكلم عنه في هذه الليلة هو تتمة وتكملة لما بدأناه في الدرس الماضي من وجوب طاعة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن من عصاه دخل النار كما أخبر عليه الصلاة والسلام: (كل الناس يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ -أي: من الذي يرفض أن يدخل الجنة؟ - قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) أي: أبى أن يدخل الجنة، إذ إنه حكم على نفسه بالطرد من رحمته سبحانه وتعالى، وبالتالي استحق أن يدخل النار.