سلامة الصدر الأول من المسلمين من استعمال الآراء والميل للأهواء ووقوع من بعدهم في ذلك

قال: [يضل من يشاء ويهدي من يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فلم يزل الصدر الأول]، أي: القرون الأولى، خاصة قرن الصحابة رضي الله عنهم.

قال: [على هذا]، أي: على هذا المعتقد جميعاً.

قال: [على ألفة القلوب واتفاق المذاهب، كتاب الله تعالى عصمتهم وسنة المصطفى إمامهم، لا يستعملون الآراء، ولا يفزعون إلى الأهواء، فلم يزل الناس على ذلك والقلوب بعصمة مولاها محروسة، والنفوس عن أهوائها بعنايته محبوسة، حتى حان حين من سبقت له الشقوة]، أي: حتى جاء وقت البدعة والأهواء.

قال: [وحلت عليه السخطة، وظهر الذين كانوا في علمه مخذولين]، أي: الذين سبق في علم الله أنهم مخذولون من أصحاب البدع والأهواء.

قال: [وفي كتابه السابق]، أي: اللوح المحفوظ.

قال: [أنهم إلى أعدائهم من الشياطين مسلمون، ومن الشياطين عليهم مسلطون، فحينئذ دب الشيطان بوسوسته فوجد مساغاً لبغيته، ومركبا وطياً إلى ظفره بحاجته، فسكن إليه المنقاد إلى الشبهات، والسالك في بليات الطرقات، فاتخذها دليلاً وقائداً، وعن الواضحة حائداً]، أي: عن الملة والشريعة حائلاً.

قال: [طالب رياسة وباغي فتنة] أي: أن الذي يحيد عن الشريعة تجده إما أن يكون طالب رياسة أو زعامة، أو باغي فتنة، وأهل البدع والشرور أكثر من ذلك، فإما أن تحمله الرياسة على تنكب الطريق، أو يحمله حبه للفتن على تنكب الطريق.

قال: [معجب برأيه وعابد لهواه، عليه يرد وعنه يصدر، قد نبذ الكتاب وراء ظهره، فلم يستشهده ولم يستشره، ففي آذانهم وقر وهو عليهم عمى]، يقول لك: رأيي صحيح ولن أتراجع عنه! وكأن رأيه قرآن أو سنة؛ لأنه تعود أن رأيه لا يرد ولا ينتقد.

قال: [كأنهم إلى كتاب الله لم يندبوا، وعن طاعة الشيطان لم يزجروا، فهم عن سبيل من أرشده الله متباعدون، ولأهوائهم في كل ما يأتون ويذرون متبعون، واستحوذ الشيطان على من لم يشرح الله صدره للإسلام، وأورده بحار العمى، فهم في حيرة يترددون، فجاروا عن سواء السبيل، فقالوا: بيد الشيطان من أمر الخلق ما لا يجوز أن يكون بيد الله ومشيئته]، أي: أنهم قالوا: إن الشيطان يملك ما لا يملك الله تعالى! قال: [ومشيئته فيهم حائلة تدون مشيئة الله لهم] أي: مشيئة الشيطان في العباد نافذة أكثر من مشيئة الله عز وجل -هكذا يقولون- وهذا كفر بواح.

قال: [فضعفوا أمر الله ووهنوه، وردوا كتاب الله وكذبوه، وقووا من أمر الشيطان ما ضعفه الله حين قال: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]، وقد كان سلفنا وأئمتنا رحمة الله عليهم يكرهون الكلام في القدر]، أي: قد كان السلف رضي الله تعالى عنهم يكرهون الكلام في القدر، ولهذا الموضوع أدلة ونصوص كثيرة أظن لو اكتفينا بهذا القدر لكان فيه كفاية حتى نبدأ الموضوع في الدرس القادم من أوله بإذن الله تعالى.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015