إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
في الدرس الماضي تكلمنا عن قواعد ومسائل، قلنا إنه ينبغي أن نقف عليها قبل أن ندخل في سرد أقوال السلف فيما يتعلق بمسائل الإيمان والكفر، وقد اتفقنا تقريباً على بعض القواعد والأصول، ونكمل في هذه المحاضرة بقية هذه القواعد التي ينبغي أن نتفق عليها، وإلا فإننا إذا اختلفنا في الأصول فلابد أن نختلف في الفروع.
من هذه القواعد: أن علة الاختلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً فيما يتعلق بمسألة الإيمان والكفر اختلافهم في حقيقة الإيمان ومعناه، فلو أنهم جميعاً اتفقوا على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص لما كان هناك خلاف، ولكنهم اختلفوا في تعريف الإيمان.
فمنهم من قال: الإيمان هو التصديق، وهذا قول المرجئة.
ومنهم من قال: الإيمان هو الإقرار.
ومنهم من قال: الإيمان هو المعرفة، يعني: معرفة الإنسان لله عز وجل بقلبه، ولاشك أنه على هذا التعريف يكون إبليس مؤمناً، وفرعون مؤمناً؛ وذلك لأنهم مقرون داخلاً بالله عز وجل.
ومنهم من قال: الإيمان هو العلم، أي: العلم المجرد بعيداً عن النطق، وبعيداً عن الاعتقاد، فهم يعلمون في أنفسهم أن الله إله واحد، ولكنهم لم ينطقوا ولم يعملوا بذلك، فهم عند الجهمية مؤمنون.
فلما اختلف تصور الناس، واختلف تصور العلماء حول حقيقة الإيمان فلابد أن يقع الاختلاف فيما يتعلق في المسائل المتعلقة بالإيمان سلباً وإيجاباً، فعلة الاختلاف: هي الخلل الواقع في تعريف الإيمان.