وبقيت مسألة متممة لهذا الأمر وهي: هل يجوز توجيه هذا السؤال أم لا؟ أي: هل لك أن تسأل الآخر فتقول له: هل أنت مؤمن؟
صلى الله عليه وسلم لا، قولاً واحداً عند السلف، وبالتالي فجوابنا أو كلامنا في المسألة السابقة جواز الاستثناء أو وجوب الاستثناء فيما إذا وجه السؤال، مع الحكم على السؤال بأنه بدعة؛ لأن السلف لم يتوجهوا بهذا السؤال قط بل ذموه، وقد [سأل رجل ميمون بن مهران فقال: قال لي: أمؤمن أنت؟ قال: قل: آمنت بالله وملائكته وكتبه.
قال: لا يرضى مني بذلك، قال: فردها عليه.
فقال: لا يرضى، فردها عليه ثم ذره في غيظه يتردد].
أي: أن واحداً يقول لـ ميمون بن مهران: واحد سألني فقال لي: أمؤمن أنت؟ ماذا أقول له؟ قال: قل له آمنت بالله وملائكته وكتبه، قال: لا يرضى مني بذلك، فهو يريد جواباً محدداً، فقال: أعدها عليه، يعني: قل له: آمنت بالله وملائكته وكتبه، قال: لا يرضى مني بذلك، قال: ردها عليه، قال: إذا رددتها لا يرضاها مني، قال: ردها عليه ثم ذره في غيظه يتردد، أي: حينما يسألك: أنت مؤمن؟ قل له: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.
[وكان طاوس إذا قيل له: أمؤمن أنت؟ قال: آمنت بالله وملائكته ورسله وكتبه، لا يزيد على ذلك].
[وقيل لـ إبراهيم: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله].
[وقال ابن سيرين: إذا قيل لك: أنت مؤمن؟ فقل: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق].
[وقال إبراهيم: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: لا إله إلا أنت].
[وقال إبراهيم: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: أرجو]، أي: أن أكون كذلك.
[وقال إبراهيم النخعي: سؤال الرجل: أمؤمن أنت؟ بدعة].
[وقال: إذا سئلت: أنت مؤمن؟ فقل: لا إله إلا الله، فإنهم سيدعونك]، أي: لو قلت لهم: لا إله إلا الله سيتركوك.
[وقال إبراهيم: سؤال الرجل الرجل: أمؤمن أنت؟ بدعة].
[وقال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا سئلت أمؤمن أنت؟ إن شاء لم يجبه وسؤالك إياي بدعة]، أي: إن شاء أن يجيبه بالاستثناء، وإن شاء أن يدع الجواب، بل يتهمه في سؤاله ويقول: وسؤالك إياي بدعة، [ولا أشك في إيماني]، الذي هو أصل الإيمان، [ولا يعنف من قال: إن الإيمان ينقص أو قال: مؤمن إن شاء الله وليس يكره، وليس بداخل في الشك].
[وقال روح بن عبادة: كتب رجل إلى الأوزاعي: أمؤمن أنت حقاً؟] وكلمة (حقاً) هذه تفهم بأن السؤال متوجه لكمال الإيمان.
قال: أمؤمن أنت حقاً؟ أي: أن هذا الغبي لم يجد غير الأوزاعي إمام الدنيا في زمانه في ديار الإسلام، ووالله لو كان الأوزاعي يعيش لما كان أحد من اليهود يجرؤ أن يقرب جهة لبنان أو سوريا أبداً، لكن الأوزاعي قد مات، [قال: فكتب إليه: كتبت تسألني أمؤمن أنت حقاً؟ والمسألة في هذا بدعة، والكلام فيه جدل، ولم يشرحه لنا سلفنا، ولم نكلفه في ديننا].
أي: نحن لسنا بمكلفين شرعاً أن نسأل هذا السؤال.
قال: [سألت أمؤمن حقاً؟ فعلمري لئن كنت على الإيمان فما تركي شهادتي لها بضائري].
أي: لو أنك حققت كمال الإيمان وتمامه حقاً، فلو أني تركت الجواب عليك فهذا لا يضرني؛ لأني عند الله مؤمن إذا كان الله يعلم ذلك مني.
قال: [وإن لم أكن عليه]، أي: على الإيمان الكامل التام عند الله، ويعلم الله ذلك مني، [فما شهادتي لها عندك بنافعتي، فقف حيث وقفت بك السنة].
وهذه كلمة جميلة جداً، وقد كان سفيان الثوري يقول: قف حيث وقفت بك السنة، ولا تحكن جلدك بظفرك إلا بدليل، أي: إن شئت ألا تحك جلدك بظفرك إلا بدليل فافعل؛ لأن هذا دين، وهذا إيمان.
قال: [فقف حيث وقفت بك السنة، وإياك والتعمق في الدين، فإن التعمق ليس من الرسوخ في العلم؛ إن الراسخين في العلم قالوا حيث تناهى علمهم: آمنا به كل من عند ربنا].
ولم يزيدوا ولم يتكلفوا ولم يتنطعوا في العلم.
[وقال أبو إسحاق الفزاري: قال الأوزاعي في الرجل يسأل الرجل: أمؤمن أنت؟ فقال: إن المسألة عما تسأل عنه بدعة، والشهادة به تعمق لم نكلفه في ديننا ولم يشرعه نبينا، ليس لمن يسأل عن ذلك فيه إمام، القول به جدل، والمنازعة فيه حدث]، أي: أمر محدث، [ولعمري ما شهادتك لنفسك بالتي توجب لك تلك الحقيقة إن لم تكن كذلك عند الله، وتركك الشهادة لنفسك بها بالتي تخرجك من الإيمان إن كنت كذلك عند الله، وإن الذي يسألك عن إيمانك ليس يشك في ذلك منك، ولكنه يريد لينازع الله عز وجل علمه في ذلك حتى تزعم أن علمه وعلم الله في ذلك سواء، فاصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، وقد كان أهل الشام في غفلة من هذ