ثم قال: [ونذيراً بين يدي عذاب شديد، بكتاب أحكمت آياته وفصلت بيناته، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بيَّن فيه مناهج حقوق افترضها، ومعالم حدود أوجبها؛ إيضاحاً لوظائف دينه، وإتماماً لشرائع توحيده، كل ذلك في آيات أجملها بألفاظ اختصرها أدرج فيها معانيها، ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتبيين ما أجمل، وتفصيل ما أدرج، فقال جل ثناؤه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]].
أي: أنزلنا إليك يا محمد القرآن على سبيل الإجمال دون التفصيل؛ لتبين للناس ما أنزل إليك في القرآن على سبيل الإجمال، فالنبي عليه الصلاة والسلام إنما قام مع شرع ربه بمثابة المبين والمفسر والموضح، والمزيل للإشكالات العامة التي جاءت في كتاب الله عز وجل، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44].
ثم قال: [وفرض على الخلق أجمعين طاعة رسوله، وقرن ذلك بطاعته، ومتصلاً بعبادته، ونهى عن مخالفته بالتهديد، وتوعد عليه بأغلظ الوعيد في آيات كثيرة من كتابه، فقال تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:131 - 132]].
فالله عز وجل عقد المقارنة بين من تنكب طريق الطاعة للنبي عليه الصلاة والسلام، وبين من أطاع الله وأطاع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء من أولي رحمة الله عز وجل.