قال: فذكر الله تعالى لذلك أوصافهم لأوليائه ليكونوا منهم على حذر، وبينها لهم فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9].
أسروا سرائر النفاق فأظهرها الله على صفحات الوجوه منهم وفلتات اللسان.
أيها الإخوة! إن الشخص مهما كتم شيئاً لابد أن يظهر إما على وجهه أو لسانه، ولابد أن يفضح؛ لأن هذا حكم الله تعالى فيه.
قال: ووسمهم لأجلها بسيم لا يخفون بها على أهل البصائر والإيمان، وظنوا أنهم إذ كتموا كفرهم وأظهروا إيمانهم راجوا على الصيارف والنقاد.
الصيارف والنقاد يعرفون العملات المزيفة من الصحيحة، لأنهم متخصصون، فهم يفهمونها مباشرة، كذلك أهل العلم والبصيرة والإيمان يجلسون مع المنافق جلسة واحدة فيقولون: هذا منافق، فهم مثل الصيارفة بالضبط، ولذلك قال بعض الطلاب لرجل من المحدثين: كيف تعرف أن الحديث معلول؟ قال: أن تأتيني به فأقول لك إنه معلول، فتذهب به إلى محمد بن وارة فيقول لك: معلول، فتذهب به إلى فلان فيقول لك: معلول، فإذا اجتمعت كلمتنا فاعلم أن الحديث معلول.
وهذا لكثرة عناية أهل العلم بحديث النبي عليه الصلاة والسلام، فشخص مثل الدارقطني مجرد أن ينظر في الحديث يقول: هذا ثابت أو ليس بثابت، فإن الدارقطني إمام الدنيا في زمانه، ليله ونهاره مع حديث النبي عليه الصلاة والسلام حتى صارت عنده ملكة، كمثل من يجد نصرانياً في الشارع، فالذي عنده بصيرة يعرفه من مظهره أنه نصراني.
فالله سبحانه وتعالى وضع في قلبك نوراً اسمه نور الإيمان والبصيرة، تعرف به أعداء الله عز وجل من المنافقين والكذابين والدجالين والنصارى واليهود.
قال: كيف ذلك والناقد البصير قد كشفها لكم، كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد:29 - 30]، أي: مجرد ما تنظر في وجه الواحد منهم تعرف أنه منافق من غير أن يقول الله عز وجل لك: يا محمد! هذا منافق، فبمجرد العلامات والأمارات وتقسيمات الوجه تعرف أنه منافق، قال تعالى: {فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:30] فسماه لحناً، وطراوة وجمالاً في العبارة واللفظ، ودقة وأداء وحسن تعبير، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أخوف ما أخاف عليكم منافق عليم اللسان)، يعني: كما يقال: معلم كبير جداً، يتكلم بكلام يأخذ قلبك ويسحبه معه، تقول: سبحان الله! ما هذا الجمال، أيعقل أن في هذا الزمن شخصاً يتكلم بالبلاغة والفصاحة هذه؟ وتجده عند الله لا يساوي تعريفة، لأنه منافق أو مراءٍ.