Q والدي قسم بيننا قبل وفاته بمدة، والآن بعد عام إخوتنا لم يعطونا حقنا، ويقولون لنا: بعد ثلاث سنوات، وأمي تشجعهم على ذلك، وأنا وأختي في أمس الحاجة إلى المال، ومنعتني من دخول بيت أبي لو أصررنا على طلبنا هذا، والآن هي معي في المسجد، ونريد من حضرتكم الإفادة، وجزاكم الله خيراً؟
صلى الله عليه وسلم على أي حال هذا كلام عظيم انتشر بين المسلمين.
فأولاً: لا ينبغي للأب أن يوزع تركته على ورثته قبل موته؛ لأن الميراث ما سمي ميراثاً إلا لتوزيعه بعد الوفاة، أما قبل الوفاة فلا، وأنتم تعلمون أن الهبة أو العطية بين الأولاد ليس فيها للذكر مثل حظ الأنثيين، وإنما إذا أراد الأب أو الأم أن توزع على الأولاد ما تملكه أو ما يملكه، فيجب التوزيع بالتساوي، فإذا أعطى البنت ألفاً وجب عليه أن يعطي الولد ألفاً، وإذا أعطى الولد مائة ألف يعطي البنت مائة ألف؛ لأن هذه هبة وعطية، وحديث النعمان بن بشير عندما أتى أبوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليستشهده على عطية أو نحلة نحلها أحد أولاده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أكل ولدك نحلت مثل هذا؟)، أي: أكل أولادك أعطيته مثلما أعطيت لهذا؟ (قال: لا يا رسول! قال: اذهب فأشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور).
وهذا أمر منه عليه الصلاة والسلام يفيد التقريع والتوبيخ، لا جواز الإشهاد على هذا الجور، والشاهد من الحديث قوله: (أكل ولدك نحلته مثل هذا؟)، أي: أعطيته مثل ما أعطيت لهذا، قال: لا، فاعتبره النبي عليه الصلاة والسلام جوراً، لأن هذه هبة لا يصح أن تكون تركة؛ لأن توزيع الشيء في حياة المورث لا يسمى ميراثاً، وإنما يسمى هبة وعطية ونحلة ومنحة، كل هذا يلزم فيه التساوي، ولا تأخذ فيه البنت نصف ما يأخذ الولد.
وأنا أنصح هذه الأم، وأنصح الأبناء الذكور أن يجمعوا الميراث كاملاً، أو يساووا التركة كاملة، ثم يقسموها من جديد: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، بعد أن تأخذ الأم من ميراث زوجها الثمن ما دام لها أولاد، ثم توزع بقية التركة بين الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأقول: هذا إذا كنتم تحبون وتحترمون هذا الرجل الذي قضى حياته في خدمتكم وتربيتكم، وتعب تعباً شديداً بالليل والنهار لأجل إسعادكم، فلا تكونوا أنتم أول من يشقيه ويعذبه في قبره، فإنه الآن يعذب في قبره والله تعالى يعلم ذلك؛ بسبب أنه جار في هذه الوصية، أو جار في هذا الميراث، فإما أن يكون هذا حدث منه جهلاً، وإما أن يكون حدث منه عناداً ومحبة لأبنائه الذكور على حساب البنات.
وهذه الأم لا تأمن أن يصنع بها أولادها بعد موتها كما صنعت هي وأولادها بزوجها، فتشقى كذلك في قبرها، وهي ستموت وستعرض على الله عز وجل، ويكلمها كما يكلم أحدنا أخاه مشافهة ليس بينها وبين الله عز وجل ترجمان -ولله المثل الأعلى- ويسألها عن هذا الجور وعن هذا الظلم، فلا يكون لديها جواب صحيح سديد تجيب به عن نفسها، وإن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها ويدخلها الجنة، وهذا الكلام لكل واحد، فإن البنات مظلومات في هذا الزمان، فلا يعطين من التركة إلا القليل، ويظن الذكور أن الحق كل الحق لهم، مع أن هذا لا يصح؛ لأن العقيدة الصحيحة السليمة تقول: إن الباطل لابد من زواله، يمحق الله الربا مهما كثر، ويربي الصدقات وينميها ليعمل بالحلال.
وهذه قصة لإحدى الأمهات دعتني لتوزيع التركة، فقال كبير القوم أو كبير الإخوة: يا شيخ! إذا كان عندك أن البنات ترث فلا نحتكم إليك في أول المجلس! فقلت: الأمر لكم، فرد جميع الرجال -إذا كانوا رجالاً، وإذا صح أنهم رجال-: أن البنات لا ترث من الأرض، وكانت هذه الأرض قطعة واحدة، والفدان الواحد بمائة وعشرين ألف جنيه، وعندهم فدان واحد بنوا عليه بيتاً عظيماً جداً بلغ إحدى عشرة غرفة، وعندهم مكان كبير يدرسون فيه المحاصيل، وبستان عظيم جداً فيه الكثير من الثمار وغير ذلك، ثم قالوا: ليس للبنت الواحدة إلا خمسمائة جنيه! أو ليس لهن كلهن إلا هذا! ونحن متفقون مع البنات على هذا، فسألت إحدى البنات فقالت: أنت ستقطع عيشتنا يا فلان! وإذا بها قد أغشي عليها حينما سمعت المبلغ المقسم من وراء الستار، وبعد جدال وأخذ ورد استمر حتى سمعنا أذان الفجر لم يصل أكثر من خمسمائة جنيه! فقلت: هذه المرة تتنازلن عن الخمسمائة جنيه وتحتسبن كامل حقكن عند الله عز وجل، وبينكن وبين إخوتكن الثلث الأخير من الليل.
فتصور أن معظم الأمة بهذا الشكل، يتعاملون مع الدين بذكاء لمصلحتهم، أما عليهم فلا لا دين ولا مصلحة ولا علم، ولا من هذه الأشياء نهائياً.
والعجيب أن البنات والصبيان حفظوا القرآن الكريم، وأنسى الله تبارك وتعالى القرآن كله أربعة من الرجال حتى صغار السن، وكان هذا قبل الميراث، لكن بقي واحد منهم على حفظ القرآن الكريم، وهو إنسان بصراحة، أما أحدهم وهو الكبير فقد كان صاحب متجر كبير جداً في شركة حكومية، وقد احتال عليه أحد التجار أن يأخذ رشوة في مقابل أن يسجل