هذا الحديث وهو المعروف بحديث جبريل الطويل، أنتم تعلمون أن هذا الحديث مخرج في الصحيحين، والإمام النووي له كلام رائع جداً ممتع إلى أقصى حد فيما يتعلق بشرح هذا الحديث، يتناول عدة مباحث: المبحث الأول: بيان ماهية الإيمان والإسلام.
المبحث الثاني: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيماني.
المبحث الثالث: هل الإيمان يزيد وينقص أم لا؟ المبحث الرابع: هل الأعمال داخلة في مسمى الإيمان أم لا؟ المبحث الخامس: بم يدخل الكافر في الإسلام؟ وبم يخرج المؤمن من الإسلام؟ المبحث السادس: الاستثناء في الإيمان.
المبحث السابع: حكم مرتكب الكبيرة، وهل هو من أهل القبلة أم لا؟ قال الإمام النووي: أهم ما يذكر في الباب اختلاف العلماء في الإيمان والإسلام وعمومهما وخصوصهما.
يعني: هل بين الإيمان والإسلام عموم وخصوص أم لا؟ وهل كل مسلم مؤمن والعكس صحيح أم لا؟ فأنتم تعلمون أن الإيمان والإسلام بينهما عموم وخصوص، العموم أن كل مؤمن مسلم، وليس العكس، يعني: ليس كل مسلم مؤمناً أي: كامل الإيمان، وإلا فلابد أن يكون عند كل مؤمن قدر من الإيمان، وإذا قلت (قدر من الإيمان) يثبت به إسلامه، وقلنا: (ليس كل مسلم مؤمناً)؛ فهذا أمر يدعونا إلى ذكر مراتب الإيمان، فنفرق بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق.
فمطلق الإيمان هو: الجزء الذي لا يثبت عند الله عز وجل إسلام أحد إلا به، مع أننا نعلم يقيناً أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقد عصم بها نفسه ودمه وماله.
هب أنه شهد بالشهادتين تعوذاً وخوفاً من القتل، حقناً لدمائه وماله وغير ذلك، ولم ينعقد عليها قلبه، فهل يكون عند الله تعالى مسلماً؟
صلى الله عليه وسلم لا، إنما هو منافق، والمنافق له في الدنيا حكم الإسلام بالشهادتين، أما في الآخرة فهو في الدرك الأسفل من النار.
إذاً: إذا جاء رجل بنفسه مختاراً مذعناً، وقال: أريد الإسلام، فقلنا له: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله عز وجل بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأن عيسى هو رسول الله وكلمته وروحه إلى غير ذلك من أصول الإيمان والإسلام، فنطق وشهد بهذا؛ فهل يستقيم هذا الرجل أم هو في إيمانه كمن عاش في الإسلام عشرات السنين يصوم ويصلي ويزكي ويحج، ويفعل الطاعات، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ هل إيمان هذا الرجل كإيمان من مضى عليه عمر طويل ودهر مديد في الإسلام يعمل الطاعات ويبتعد عن المعاصي؟
صلى الله عليه وسلم لا، لكن هذا الرجل الذي آمن الآن قد حصل مطلق الإيمان.
فإذا قلنا: إن هذا العبد الذي أتى وشهد الشهادتين، لابد أن يتوفر لديه أصل الإيمان ولو واحد من عشرة، لابد أن يعتقد ما شهد به في قلبه، وأن يجزم على ذلك قلبه، فإذا عمل الطاعات ازداد هذا الإيمان حتى يصل إلى قمته، فهذا الذي وصل إلى قمة الإيمان هو الإيمان المطلق، فلابد أن تفرق بين الإيمان المطلق، وهو كمال الإيمان وتمامه، وبين مطلق الإيمان.
فلو أن عبداً شهد الشهادتين بغير مطلق الإيمان، فهل يسمى مسلماً عند الله عز وجل؟ الجواب: لا يكون مسلماً، إنما هو مسلم عند الخلق، أي: تجري عليه في الدنيا أحكام الإسلام.