قال المؤلف: [فمن زعم أن ما في كتاب الله عز وجل من شرائع الإيمان وأحكامه وفرائضه ليست من الإيمان، وأن التارك لها والمتثاقل عنها مؤمن؛ فقد أعظم على الله الفرية].
ولو أن واحداً قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فهذا عند المرجئة مؤمن كامل الإيمان، ولكنه يقول: لا توجد صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج ولا جهاد، ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر، ولا ولا ولن أفعل شيئاً من ذلك، وأنا أزني وأشرب الخمر وأسرق وأقطع الطريق، وغير ذلك من سائر المعاصي والذنوب، وأنا متأكد أنني مؤمن كامل الإيمان، كيف ذلك؟ فمن لجهنم حينئذ؟ فيكاد الإجماع أن ينعقد على أن من ترك الصلوات الخمس كفر بالله عز وجل، بل ومنعقد عند الصحابة أن من ترك الصلاة كفر وخرج من الملة.
ولم يأت عن صحابي واحد أن من ترك الصلاة لا يكفر بها، ووقع النزاع فيما دون ذلك، بل وقع النزاع بعد عصر الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
قال: [فمن زعم أن ما في كتاب الله عز وجل من شرائع الإيمان وأحكامه وفرائضه ليست من الإيمان، وأن التارك لها والمتثاقل عنها مؤمن؛ فقد أعظم على الله الفرية، وخالف كتاب الله، ونبذ الإسلام وراء ظهره، ونقض عهد الله وميثاقه، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران:81]].
فلو قال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: الجهاد عمل يا رسول الله أم ليس عملاً؟ فسيقول لهم: الجهاد عمل، ولو قالوا له: اذهب أنت وجاهد؛ لأنه حينما كان العمل ليس من الإيمان فليس عندنا استعداد أن نشارك معك في هذه الغزوة، أو على الأقل نحن شاركنا معك في غزوة أو غزوتين، فتفضل أنت وحارب والله معك ويعصمك!! لو أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ترك الجهاد مع النبي عليه الصلاة والسلام، فهل تتصورون أن القرآن ينزل بمدحهم؟ لا يمكن أبداً، وهذا يدل على أن العمل من الإيمان.
فتصور لو أن الجهاد في مصر مثلاً فرض عين، لأن اليهود دخلوا علينا وفوجئنا أن هناك رشاشات ودبابات مع جنود يهود أمام المسجد في هذا الوقت، فنقول: هيا لنجاهد، قالوا: نحن متأسفون، لأن الجهاد عمل، والعمل ليس من الإيمان على مذهب المرجئة؛ فأنا إن جاهدت أو لم أجاهد فأنا في الحالتين مؤمن كامل الإيمان فإذا كنت أنا في حال تركي للجهاد مؤمناً كامل الإيمان، فلماذا أجاهد؟ سأحرص على حياتي! فهذا القول قول المرجئة، وكلام المرجئة في الإيمان كلام بلا ذيل ولا يمكن ضبطه أبداً؛ لأنه كلام في غاية الفساد والبطلان.
[{لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81].
ثم قال الله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:82]] أي: فمن تولى عن نصرة النبي عليه الصلاة والسلام حياً أو ميتاً إذا تعين عليه ذلك؛ فهو فاسق.
وبعض أهل البدع الآن خرج بشبهات على السنة، حتى كاد أن يهلك الناس وأن يفتنهم في دينهم، وكان هناك عشرة من الناس بإمكانهم أن يدافعوا وأن يذبوا عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ويبينوا مزاعم الأعداء وافتراءات المفترين، وأن يجلوا هذه الغمة عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يرشدوا الأمة إلى صالح عملها واعتقادها في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأنهم تواطئوا واتفقوا على عدم الدفاع عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فهم يصيرون بذلك من الفساق.
فلا بد من نصرة النبي عليه الصلاة والسلام حياً وميتاً.
[ثم قال الله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} [آل عمران:83]]، فبين أن الإيمان والعمل سواء بسواء يدخل تحت مسمى الدين، [ثم قال تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:82] فجمع الله تعالى القول والعمل في هذه الآية، وقال: فمن زعم أنه يقر بالفرائض لكنه لا يؤديها ولا يعلمها، كما أنه مقر بتحريم الفواحش والمنكرات، ولا ينزجر عنها ولا يتركها، وأنه مع ذلك مؤمن؛ فقد كذب بالكتاب وبما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومثله مثل المنافقين الذين {قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة:41] فأكذبهم الله ورد عليهم قولهم، وسماهم منافقين مأواهم الدرك الأسفل من النار].
الإمام ابن بطة يقول: [على أن المنافقين أحسن حالاً من المرجئة]، وهذا كلام في غاية الأهمية، لأن المنافقين والمرجئة كلاهما قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، كلاهما زعم أنه مؤمن، فالمرجئة آمنوا بأفواههم ولم يعملوا -أي: لم تعمل جوارحهم- أما المنافقون فإنهم آمنوا بأفواههم وعملوا قال: و