قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتأخذن أمتي بأخذ الأمم والقرون قبلها، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، قيل: يا رسول الله! كما فعلت فارس والروم؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: ومن الناس إلا أولئك؟)].
شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله يعلق على هذا الحديث فيقول: هذا خبر، أي: هذا خبر عن أمر مستقبل سيقع في الأمة، فلو أنك أتيت مثلاً وقلت لابنك: يا بني! أنت الآن ذاهب لتصلي الجمعة، فليس هناك داع لأن تلبس البدلة والكرفتة والبنطلون، وإنما يستحب لك في مثل هذا اليوم أن تلبس الثوب الأبيض، يقول: أنا أستحي من زملائي، وأستحي من المجتمع، وهذا الذي تعودت عليه، ويبدأ يناقشك واحدة واحدة، حتى يعتقد في المستقبل أن ما يلبسه أفضل مما يلبسه غيره.
وهذا كلام خطير؛ لأنه يؤدي إلى ما هو أخطر منه؛ لكن ربما تهون هذه القضية أمام تخلقه بأخلاق غير المسلمين في الباطن، والشكل له تأثير في الجوهر، فالجندي الذي يلبس بدلة الجندية يشعر بالفتوة والشهامة والقوة، وكذلك الذي يتشبه بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام في ظاهره يحجبه هذا الظاهر عن كثير من المعاصي.
فإذا أراد أحد أن ينطلق بلا لوم في المعاصي حلق لحيته وغيَّر من منظره ومن زيه؛ لأنه يعلم أن الناس لا يدعونه بهذا الشكل، ولو تشكل بأشكال أخرى غير الشكل المطلوب لما لامه الناس، تصوروا لو أني في مثل حالتي هذه دخلت السينما، من الذي يأمرني وينهاني؟ الذي داخل السينما كلهم سينظرون إلي نظراً مزرياً، فيأتي إلي شخص ويقول لي: حرام عليك، اتق الله، ويذكرني بالله وهو معي في نفس المجلس؛ لأن منظري وشكلي لا يتناسب مع هذا، في الوقت الذي استجاز هو لنفسه أن يبقى في هذا المكان، وربما اصطحب معه عشيقته، لكن مجرد دخولي أنا السينما أمر منكر، أما بقاؤه هو في السينما أو في النادي أو غير ذلك ومعه عشيقته -والله أعلم بالمفاسد التي تتم بعد ذلك من شرب الخمر والسكر أمر لا ينكر على عامة الناس؛ لأنهم لم يعلنوا راية الالتزام، فكأنه أبيح لهم ما حرم على غيرهم، وهذا وضع طبيعي في الناس.
ولذلك فإن الشكل له تأثير في القلب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، مع أن تسوية الصفوف أمر ظاهري، فما علاقة هذا الظاهر بالقلب؟ وجرب هذا بنفسك، لو أنك تعودت وفعلت ذلك تديناً وعبادة، ووضعت قدماً جوار قدم من يقف بجوارك، فكلما وضعت قدمك بقدمه ضم إليه قدمه، هل سيتغير قلبك عليه؟ نعم يتغير؛ لأنه لم يعنك على طاعة من الطاعات، ولم يلتزم سنة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام، فلابد أن تخرج من الصلاة وأنت لا ترغب أن تنظر إلى وجهه، وهذا يدل على أن الإسلام كل لا يتجزأ، وإن كان هو على شكل درجات ومراتب، ولكن في نهاية الأمر كل هذه الدرجات والمراتب داخلة في حد الإسلام، وفي حد الإيمان.
قال: قال ابن تيمية: هذا خبر تصديقاً لقول الله تعالى: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة:69]، ولهذا شواهد في الصحاح والحسان، وهذا أمر قد يسري في المنتسبين إلى الدين من الخاصة، كما قال غير واحد من السلف منهم ابن عيينة، فإن كثيراً من أحوال اليهود قد ابتلي به بعض المنتسبين إلى العلم، وكثيراً من أحوال النصارى قد ابتلي به بعض المنتسبين إلى الدين، كما يبصر ذلك من فهم دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم أنزله على أحوال الناس، يعني: تكون أنت عالماً بالدين الذي أنت عليه، فإذا علمت دين الإسلام وما هو المراد منه، وما هو المطلوب منك تجاه هذا الدين، ثم أسقطت ما عندك من علم على واقع الناس؛ لوجدت أن الناس في واد وأن الدين في واد آخر، هكذا أراد شيخ الإسلام أن يقول.
قال: وإذا كان الأمر كذلك، فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، وكان ميتاً فأحياه الله وجعل له نوراً يمشي به في الناس؛ لا بد أن يلاحظ أحوال الجاهلية، وطرفي الأمتين: المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى، فيرى أنه قد ابتلي ببعض ذلك، والصادق مع نفسه يتوقف مع نفسه في كل قول وفعل ونية وغير ذلك، ويفهم الإسلام أولاً، ثم لابد هو مع هذا العلم سيجد أنه قد تخلق أو تشبه ببعض أخلاق اليهود والنصارى، وهذا أمر يجعل كل واحد منا يكون حريصاً على نفسه، يراقبها ويعاتبها ويلومها ويوبخها على كل مخالفة انحرف بها عن سلوك الشرع القويم.
وانظروا إلى قوله: (لتتبعن سنن بني إسرائيل شبراً بشبر، وذراعاً بذراع)، فهذا تشبيه المراد منه ملازمة التشبه بهم؛ لقوله: (شبراً بشبر) يعني: يمشي خلف اليهود خطوة بخطوة، أو يمشي المسلم خلف اليهودي حتى في طريقة المشي، إذا رفع رجله رفع رجله مثله ووضعها في أثر قدم اليهودي.
قال: (وذراعاً بذراع حتى إذا دخلوا ج