الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد: فلا يزال الكلام موصولاً في: باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب، ويفسدون الإيمان.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: صحبة من لا يخشى العار عار يوم القيامة].
أي: صحبة الإنسان المتبلد الحس، الذي لا يهمه أن يعيش عيشة كريمة أو مهينة في وسط قوم؛ عار في وجه الصاحب والصديق في الدنيا ويوم القيامة، خاصة إذا كان هذا العار إنما يلحق المرء في دينه لا في أخلاقه وسلوكه؛ إذ إن أعظم العار أن يعير الإنسان في دينه.
قال: [وقال عون بن عبد الله: لا تجالسوا أهل القدر ولا تخاصموهم -أي: لا تناقشوهم ولا تجادلوهم-؛ فإنهم يضربون القرآن بعضه ببعض].
وهذه من علامات أهل البدع: أنهم يضربون القرآن بعضه ببعض، فتأتي له بآية فيأتي لك بآيتين، وتأتي له بآيتين فيعطيك عشراً، ولذلك أنتم تعلمون أن هذا خلق مذموم ذمه النبي عليه الصلاة والسلام، فقد خرج إلى أصحابه ذات ليلة ليخبرهم بليلة القدر، فوجد أن بعض أصحابه قد تلاحوا، أي: تخاصموا وتجادلوا في مسألة ما، فغضب لذلك غضباً شديداً، وقال: (أتضربون القرآن بعضه ببعض وأنا بين أظهركم! والله لقد خرجت لأخبركم بليلة القدر، فلما رأيتكما تتلاحيا ذهبت عني).