قال: [عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون فتن يصبح الرجل بها مؤمناً ويمسي كافراً، إلا من أحياه الله بالعلم)].
هذا الحديث بهذه الزيادة: (إلا من أحياه الله بعلم) فيه ضعف، والمحفوظ: (ستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)، أي: يبيع دينه بأقل القليل وأقل المتاع، وهذا في آخر الزمان.
وبعض أهل العلم حسن هذه الزيادة: (إلا من أحياه الله بالعلم).
وفتن آخر الزمان تتقلب فيها القلوب وتغلي كغليان الماء في القدر على النار، بحيث لا يستقر القلب على حال واحدة، فيصبح الرجل مؤمناً موحداً ويمسي على الكفر البواح الذي ليس بعده كفر، أو يصبح كافراً ويمسي مؤمناً.
وإذا علمت أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها سبحانه وتعالى كيف يشاء، زادك هذا معرفة بشدة حاجتك إلى الله عز وجل لأن يعصمك ويثبتك، والثبات على الإيمان أعظم من الإيمان نفسه، وأهم من الإيمان، ولذلك قال الله تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، ولو أن الله نصرنا ولم نذكره تعالى بعد هذا النصر لكان هذا سبب الهزيمة، ولا قيمة لنصر تعقبه هزيمة، ولكن النصر المؤزر الثابت الذي لا يتزعزع هو النصر الذي يدوم ويستمر.
وقد كانت غزوة بدر مثار الحديث والإعجاب في العالم إلى يوم القيامة، وغزوة أحد رغم أنها كلها نصر إلا أن مخالفة الرماة رضي الله عنهم لأمر النبي عليه الصلاة والسلام ألحق الأذى والهزيمة بهم آخراً، ولهذا قال بعض أهل العلم: ليس في غزوة أحد أدنى هزيمة، لكن مخالفة النبي عليه الصلاة والسلام من قبل الرماة تسببت في انهيار السهام عليهم من قمة الجبل -أي: جبل الرماة- مما أصاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأصاب أصحابه الكرام في سفح الجبل.
فالدوام والثبات والاستمرار على النصر أولى من مجرد النصر الذي تعقبه هزيمة.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال)، أي: أسرعوا بالأعمال الصالحة قبل قيام الساعة؛ لأنكم إذا كنتم في آخر الزمان ظهرت الفتن التي لا يصبر أمامها إلا من وفقه الله، ودليل ذلك: أنك تجد الرجل في معمعة الفتن يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، وغيره يمسي كافراً ويصبح مؤمناً، وهكذا تقلب القلوب في هذا الزمان، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ دائماً من الفتن.
قال الإمام ابن بطة: [جعلنا الله وإياكم ممن أحيانا الله تعالى بالعلم، ووفقه بالحلم، وسلمنا وإياكم من جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن].