إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
بقي في مقدمة كتاب الرد على الجهمية جزء ليس بالقليل، وهذا الجزء ما هو إلا دراسة مستفيضة أو شارحة ومبينة للنصوص التي وردت في الجزء الثاني عشر وهو هذا المجلد، ووصف للمخطوطة ومنهج التحقيق، ثم التفصيل الطويل جداً فيما يتعلق بتكفير الجهمية الذين أنكروا الأسماء والصفات، خاصة صفة الكلام لله عز وجل؛ لأن الذي ينكر صفة الكلام لله عز وجل لابد أنه سينكر بقية الأسماء والصفات، لأن أسماء الله تعالى وصفاته موجودة في كلامه، فالذي ينكر أن هذا الكلام هو كلام الرب تبارك وتعالى لزاماً عليه أن ينكر كذلك بقية الأسماء والصفات التي وردت في القرآن الكريم، فالشارح أو المحقق قد استفاض في هذا الأمر، لكن لا بأس أن نبدأ في الجزء المحقق مباشرة فإذا مر بنا شيء غامض شرحناه بإذن الله تعالى.
قال المصنف رحمه الله: [الجزء الثاني عشر قال فيه الشيخ: وصلى الله على محمد وعلى آل محمد وسلم.
أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن الزاغواني بمدينة السلام -التي هي بغداد- بنهر معلى في الخريم]، ونهر المعلى نسبة إلى المعلى بن طريف، وهو نهر يسير من تحت الأرض حتى يدخل قصر الخلافة المسمى بالفردوس، وكان يقال: هو جنة الموحدين لجماله وروعته، وقربه كذلك من دجلة [في الخريم] وهو المكان الذي كانوا يخزنون فيه السلاح.
[قال: أخبرنا الشيخ أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن البسري بباب المراتب -وهو اسم لموضع ببغداد- قال: أخبرنا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة إجازة -يعني: أجازه برواية هذا الجزء ولم يسمعه منه- الحمد لله الأول القديم].
فبلا شك أن الأول من أسماء الله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:3].
وقال أهل السنة: أول بلا ابتداء، آخر بلا انتهاء، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء سبحانه وتعالى.
أما القديم فأنتم تعلمون أن من قواعد وأصول الأسماء والصفات أنها توقيفية، بمعنى أننا نتوقف في إثبات الاسم لله عز وجل أو في إثبات الصفة لله عز وجل إلا إذا ورد الاسم أو الصفة في الكتاب أو في السنة؛ لأن الله تعالى أعلم بذاته وأسمائه وصفاته، وأعلم الخلق بالله تعالى هم الأنبياء والمرسلون وما دون ذلك من الخلق لا يعلمون عن الأسماء والصفات شيئاً إلا ما جاء في الكتب وفي الوحي، فالقديم إذا بحثنا عنه في الكتاب والسنة لم نجد له ذكراً، حتى في كلام السلف ليس له ذكر، ولكن بعض أهل العلم استعملوا اسم القديم للدلالة على الأول، مع أن بين الأول والقديم من الفروق ما بينهما، فالأول معلوم أنه لا شيء قبله، أما القديم فقبله أقدم، ولذلك تقول: قديم وأقدم، ولكنهم لا يقصدون هذا، الذين قالوا: إن الله قديم أو موصوف بالقدم لا يقصدون أن هناك من هو أسبق من الله في القدم.
وعلى آية حال ما وسع السلف في باب الاعتقاد يسعنا، وما لم يسعهم لا يسعنا، فالأولى فيما يتعلق بالأسماء والصفات الوقوف عند الوارد في النصوص، وليس في النص إثبات أن القديم من أسماء الله تعالى، ولا من صفات الله تعالى، ولذلك نقول: (الحمد لله الأول الذي لم يزل).
قال: [الدائم الباقي].
الدائم من أسماء الله تعالى، وأما الباقي فليس من أسماء الله تعالى، وإن كان المعنى صحيحاً، لكن القضية الآن في ثبوت هذا من عدمه، كما لو أنك أخذت حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً أو منكراً فوجدت معناه جميلاً جداً، وفي غاية الروعة والجمال، ويدعو إلى الفضائل ومكارم الأخلاق، فإذا قلت لحامل الحديث هذا حديث موضوع أو مكذوب، أو حديث ضعيف لا يجوز العمل به قال لك: وما بال هذا الحديث؟ إنه حديث جميل، وألفاظه طيبة تدعو إلى مكارم الأخلاق وإلى الفضائل وغير ذلك، فليست القضية في معنى الحديث، وإنما القضية في ثبوت نسبة الحديث إلى قائله.
وكذلك إذا كان القديم معنى من المعاني اللائقة بالله عز وجل، والباقي معنى من المعاني اللائقة بالله عز وجل إلا أن القضية هي أن الأسماء توقيفية، وهذا ليس منها، فكأنك تقول أنا أعلم بالله من الله، ولذلك أنا أثبت له ما لم يثبته لنفسه، وهذا بلا شك ضلال مبين فلا نثبت إلا ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله، وهذا كلام عام يحفظه جميع أبناء الصحوة في هذا الزمان عن سلفهم، نثبت لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام على الوجه اللائق بالله تعالى من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل.
فإذا كنا نحفظ هذا الكلام فعند التطبيق