Q قرأت حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم معناه: (أن من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها) إلى آخر الحديث، فما معناه؟
صلى الله عليه وسلم هو حديث صحيح، والقرآن لا يفهم إلا بأسباب النزول، وكذلك السنة لا تفهم إلا بأسباب الورود، ولو نظرنا في المناسبة التي قيل فيها هذا الحديث لوجدنا أن القصة التي قيل فيها هي: أن قوماً أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجتابي النمار تعلوهم مناظر الجوع والكآبة والفقر، فلما رآهم النبي عليه الصلاة والسلام غضب لذلك وحزن واغتم، فلمح ذلك في وجهه رجل من أصحابه، فقام إلى بيته فأتى بما عنده من طعام وغذاء، فلما رأى الصحابة ذلك تنبهوا وقام كل منهم إلى بيته، فأتى أحدهم بما عنده من طعام، وبما عنده من غذاء، وبما عنده من شراب ووضعوه في نطع -أي: قطعة من الجلد المفروشة- حتى أصبح كومة عظيمة، فحملوها حتى كادت أيديهم أن تكل، بل قد كلت، أي: عجزت عن حمل هذا المتاع الذي جمع من هنا وهناك، فحينئذ تهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة)، والذي سنها هو الأول الذي ذهب إلى بيته وفطن لمراد النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذه السنة كانت مشروعة في الإسلام، فأصل الصدقة قد حث عليها القرآن وحثت عليها السنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً)، وبالمقابل من سن في الإسلام سنة سيئة أو أحيا بدعة أميتت فعليه وزرها ووزر من عمل بها.
ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما جمع الناس على صلاة الليل والقيام والتهجد في رمضان على أبي بن كعب؛ نظر إليهم وقال: نعمت البدعة.
وقيام رمضان جماعة في المسجد سنة، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام هو المشرع لها أصلاً، بدليل ما صح عنه أنه صلى أول يوم في بيته فصلى بصلاته الناس في المسجد، وفي اليوم الثاني ازداد الناس وكثروا حتى امتلأ المسجد، وفي اليوم الثالث لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم؛ لأنه قد خرج في اليوم الثاني، وخرج في صلاة الفجر، وقال: (لقد علمت ما كان منكم)، أي: ولكني لم أخرج متعمداً؛ مخافة أن تفرض عليهم.
فالأصل فيها أنها سنة مؤكدة مستحبة، فالنبي عليه الصلاة والسلام فعلها، وإن فعلها مرة فقد ثبت بذلك سنيتها واستحبابها، وكم من أمر مندوب فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة لبيان استحبابه أو لبيان الجواز، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه لما كلم في هذا قال: والله ما كنت لأفعل شيئاً تركه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يصلي في بيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد وخرج، وكان آخر الأمرين منه الترك فتركه أبو بكر.
وعمر اجتهد في هذه المسألة وخالف أبا بكر، فجمع الناس على صلاة القيام في المسجد، وقال: نعمت البدعة هي، وعلى فرض صحة هذا اللفظ عن عمر رضي الله عنه فإنه لم يبتدع في دين الله شيئاً محدثاً جديداً، وإنما رجعت الأمة إلى الأمر الأول الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم أولاً.
فحينئذ لا يقال: إن عمر ابتدع في الدين، وإنما هو سن فيه سنة حسنة، ومعنى سنة حسنة أي: أن أصلها بإقرار الشرع، والبدع المذمومة هي التي أحدثت في الدين على غير مثال سابق، وليس لها دليل في الكتاب والسنة، ومع ذلك يراد بها التقرب إلى الله عز وجل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.