ثم قال: [وعن ابن عون قال: كنت أسير في الشام فناداني رجل من خلفي، فالتفت فإذا هو رجاء بن حيوة، فقال: يا ابن عون! ما هذا الذي يذكرون عن الحسن؟ قلت: إنهم يكذبون على الحسن كثيراً].
[وعن ابن عون قال: لو ظننا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت؛ لكتبنا برجوعه كتاباً، وأشهدنا عليه شهوداً -حتى يبرأ الحسن من هذه الكلمة- ولكنا قلنا كلمة خرجت لا تحمل].
يعني: نحن تصورنا أن هذه الكلمة كلمة يسيرة، ولا أحد يتوقف عندها؛ لما ينقضها من نصوص عدة لنفس الإمام، وما كنا نتصور أنها تبلغ الآفاق، وهذا أمر ملاحظ بيننا تجد الواحد لما يقعد يتكلم كلاماً صحيحاً لا أحد يقول له شيئاً، وعندما يقول كلمة واحدة فيها غلط وخطأ ترى من ينشرها ويشيعها بين الناس من المنصورة ومن البحيرة ومن سنغافورة، فلماذا الإخوة المستمعون ما نبهوه.
إذاً فالخطأ في المحاضرة أو عند الأسئلة كان بإمكان أحد السامعين للخطأ أن يقول لي: هل يجب علينا الإيمان بالقضاء والقدر والرضا به أم لا؟ فقد أكون أخطأت فهم السؤال.
فالإيمان بالقضاء والقدر والرضا به واجب، ولكننا لا نرضى بالقدر الكوني، فمن القضاء ما هو قضاء شرعي، ومنه ما هو قضاء كوني، أو قدر شرعي ديني مبني على المحبة والرضا، وقدر قدري كوني، وهذا في باب المعاصي، فهل نحب المعاصي ونرضاها؟ لا.
إذاً: الإجابة المحكمة: أننا نؤمن بالقضاء والقدر، والإيمان به واجب، وهو ركن من أركان الإيمان.
وأما الرضا فنحن نرضى بالقضاء الشرعي، ولا نرضى بالقضاء الكوني في باب المعاصي؛ لأن المعاصي يبغضها الله عز وجل؛ ولذلك قال ابن عون: [لو ظننا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتاباً، وأشهدنا عليه شهوداً، ولكنا قلنا كلمة خرجت لا تحمل، وكان ابن عون يقول: بيننا وبينكم حديث الحسن].
أي: مجالس التحديث العلمي التي كان الحسن يحدث فيها، وليس إذا طلعت منه كلمة في مجالس الوعظ نجعلها ديناً ونحتج بها، لا، بيننا وبينكم كلامه العلمي المؤصل في مجالس التحديث، وأما دون ذلك فلا.
ثم قال: [وقال أبو هلال: رفعت إلى حميد بن هلال وأيوب وهما قاعدان عند باب عمرو بن مسلم فذكرا الحسن وفضله، فقال حميد: لوددت أنه أسهم على أهل البصرة غرم كثير يؤخذون به وأن الحسن لم يتكلم بتلك الكلمة] يعني: التي طار بها أهل البدع.
[قال سفيان: سمعت أبي - وكان ثقة - عن العلاء بن عبد الله بن بدر قال: دخلت على الحسن وهو جالس على سرير هندي فقلت: وددت أنك لم تتكلم في القدر بشيء، فقال: وأنا وددت أني لم أكن تكلمت فيه بشيء].
ألا يكفي هذا النص الصحيح على اعتبار أنه تكلم بكلام خالف فيه أهل السنة؟ ألا يكفي هذا برجوعه وتوبته، إذاً فلماذا نحتج بكلام مخالف للأصول بعد التوبة.
[قال حماد بن زيد: سمعت أيوب يقول: إن قوماً جعلوا غضب الحسن ديناً.
وعن المبرك عن الحسن في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} [الأعراف:179] قال: خلقنا].
[وعن الحسن في قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23] قال: عهد ربك ألا تعبدوا إلا إياه.
وعن عاصم الأحول قال: سمعت الحسن يقول: من كذب بالقدر فقد كذب بالحق -قال ذلك مرتين-، إن الله عز وجل قدر خلقاً، وقدر أجلاً، وقدر بلاءً، وقدر مصيبة وقدر معافاة، وقدر معصية] يعني: قدر تقديراً كونياً قدرياً لا تقديراً شرعياً.
ثم قال: [فمن كذب بشيء من القدر؛ فقد كذب بالقرآن].
[وعن خالد الحذاء قال: قدم علينا رجل من أهل الكوفة، وكان مجانباً للحسن لما كان بلغه عنه في القدر، حتى لقيه فسأله رجل أو سئل الحسن في حضرة الكوفي عن قول الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118 - 119]، قال الحسن: لا يختلف أهل رحمة الله، (ولذلك خلقهم) قال: خلق أهل الجنة للجنة، وخلق أهل النار للنار، فكان الرجل يذب عن الحسن].
فالكلمة السابقة إما أن تكون صدرت من الحسن في مكة كما جاء في بعض الروايات، وإما في البصرة حيث موطنه ومنزله، فطارت إلى الكوفة فسمعها رجل من أهل السنة في الكوفة، ولما سئل الحسن في حضرته، وتكلم بكلام منضبط في القدر؛ كان هذا الكوفي بعد ذلك يدفع عنه كل من ينال من عرض