[وعن هشام بن عروة عن أبيه: أن رجلاً قال لـ عمر بن الخطاب: أعطاك من لا يمن ولا يحرم].
فالسلف كانوا متيقظين جداً لأهل البدع، وكانوا في غاية اليقظة لكلمات أهل البدع، فهذا الشخص يقول له: يا عمر أعطني يعطيك من لا يمن ولا يمنع، فـ عمر قال له: كذاب، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات:17].
إذاً: فالله تعالى يمن، والمن في حقنا منقصة، لكن المن في حق الله صفة كمال، والله تعالى يحرم الكافر من الجنة ويدخله النار، والحرمان في حقنا صفة عيب ونقص لكنه في حق الله صفة كمال في مقابلة من يستحق الحرمان، ولا يسمى الله تعالى: المان، كما لا يسمى: المحرم، أي: الذي يحرم عباده؛ لأنه لا يؤخذ من أفعال الله عز وجل أسماء له، كما قال الله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة:22]، فلا يسمى: المنتقم.
وأما الحنان المنان فهما من أسماء الله، فقد ورد في ذلك نص صريح (يا حنان يا منان)، وأما المان فهو ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه مستخرج من أفعاله، وكل أفعال الله تعالى التي لم يثبت منها أسماء لا تستخرج منها الأسماء، كما في قول الله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة:22]، فلا يسمى الله تعالى المنتقم، فالانتقام في العموم صفة نقص في حق المخلوقين، وهي في حق الله عز وجل صفة كمال؛ لأنه لم ينتقم إلا ممن يستحق الانتقام، وكما قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16] فلا يسمى الله تعالى: الكائد، وعندما نقول: فلان كياد فهذه صفة نقص، ولا يوصف الله تعالى بذلك ابتداءً، وإنما يوصف بها على سبيل الكمال في مقابلة كيد الكائدين، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، والمكر في حق المخلوق صفة نقص، لكن في حق الله عز وجل مهما مكر الماكرون فمكرهم عند الله عز وجل، وفي قدرة الله عز وجل، وسابق في علم الله عز وجل قبل أن يخلقه.
إذاً: إحاطة المولى عز وجل بكيد الكائدين، وإجرام المجرمين، وانتقام المنتقمين، وغير ذلك صفة كمال لله عز وجل، ولذلك ذهب أهل العلم إلى أن أسماء الله عز وجل الثابتة له التي ظاهرها النقص أنها لا تقال على سبيل الإفراد، بل تقال على سبيل المقابلة، فتقول: النافع الضار، والضار من أسماء الله عز وجل، لكن لا تقل: الله تعالى هو الضار؛ لأن الاسم عند الإطلاق والإفراد يوحي بشيء من النقص، لكن تقول: الله تعالى هو النافع الضار.
ولا تقل: الله تعالى المعيد، بل قل: هو المبدئ والمعيد، فهو الذي بدأ الخلق ثم يعيدهم؛ لتجمع الأمر من أوله إلى آخره لله عز وجل، وأما لو قلت: هو المبدئ؛ فربما قيل: ومن المعيد؟ ولو قلت: هو المعيد؛ لتوهم بعض السامعين أنه لم يبدأ الخلق، بل هناك خالق بدأ وخالق ثانٍ يعيد هذا الخلق، وهذا من قواعد الأسماء والصفات.
قال: [إن رجلاً قال لـ عمر بن الخطاب: أعطاك من لا يمن ولا يحرم.
فقال له عمر: كذبت، بل الله يمن عليك بالإيمان، ويحرم الكافر الجنة].
وابن عباس عندما قيل بين يديه: ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل قال: نعيم الجنة لا يزول.
وهذا فيه رد على قوله: وكل نعيم لا محالة زائل، فنعيم الجنة دائم سرمدي أبدي لا نهاية له، فلما صدق في شطر بيته الأول أقره، ولما كذب في الشطر الثاني كذبه فوراً؛ حتى توضع النقاط على الحروف.
[وقال ثابت: إن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! أعطني، فوالله لئن أعطيتني لا أحمدك، ولئن منعتني لا أذمك، فقال أمير المؤمنين عمر: لم؟ قال: لأن الله عز وجل هو الذي يعطي وهو الذي يمنع]، أي: أن المعطي الحقيقي والمانع الحقيقي هو الله.
قال: [أدخلوه بيت المال ليحضره -أي: أدخلوا الرجل بيت المال إلى أن يرى المال بعينيه- وليأخذ منه ما يشاء]، وشكره عمر.
وهذا القول رغم أنه توحيد لكن لا يخلو من شيء من الجفاء مع الأئمة والوجهاء، والأصل فيه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)، وقال عليه الصلاة والسلام: (دعوا الناس يزرق الله بعضهم من بعض) يعني: لو أعطاه عمر لكان رازقاً له بإذن الله، وينبغي تأدباً شكر من أنعم عليك، فالله تعالى يقول: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:37]، فسمى الله النبي صلى الله عليه وسلم منعماً وهو مخلوق؛ لأنه أنعم ومنّ على