قال (أحمد لله) إذا بعد البسمة ثنى بالحمدلة، وهذا أيضاً نقول تأسياً بالكتاب العزيز لأنه وراء البسملة في سورة الفاتحة وهو أول الكتاب (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {2} الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هذا يسمى ابتداءاً إضافياً عند أهل العلم، والابتداء بالبسملة يسمى ابتداءاً حقيقياً، والابتداء الحقيقي هو الذي لم يُسبق بشيء أبداً، والابتداء الإضافي هو الذي لم يُسبق بشيء أبداً أو سُبق بشيء من غير المقصود، وهنا سُبق (أحمد الله) بالبسملة، لكن هل هي من المقصود الذي صنَّف المُصنف كتاباً لأجله؟ الجواب لا، حينئذ يكون الابتداء بالبسملة ابتداءاً حقيقاً إضافياً، والابتداء بالحمدلة ابتداءاً إضافياً لا حقيقاً، فكل ابتداء حقيقي إضافي ولا عكس، (أحمد الله) ما المراد بالحمد؟ نقول الحمد على الأصح، والأولى أن يُحد بما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى – أنه ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، وإن كان المشهور أنه في اللغة تناوب الجميل على الجميل الاختياري على جهة التبجيل والتعظيم وأنه في الاصطلاح فعل يُنبئ عن تعظيم المُنعم بسبب كونه مُنعما على حامده أو غيره والكلام على هذين التعريفين يطول، والفرق بين الحمد والشكر أيضاً يطول، وليس المقام مقام تفصيل. (أحمد الله) هنا أتي بالجملة الفعلية ولم يأتي بالجملة الاسمية ومعلوم عن البيانيين أن الجملة الاسمية تدل على الثبات والدوام على الثبوت والدوام، والجملة الفعلية تدل على التجدد والاستمرار، عدل عن الجملة الاسمية فإن كانت أولى لنكت والمفضول قد يُعدَل إليه بنكتة فتُصيره أولى من الفاضل، وهذا حتى في العبادات، قد يكون الشيء مفضولاً ولكن يقترن به ما يكون في حق الشخص جاعلاً له أولى من الفاضل، وبذلك الإنسان مثلاً السنن الرواتب نقول الأفضل أن يصلي في بيته أليس كذلك؟ لكن لو صلى بيته قد يكون القلب مشغولاً ولو صلى في المسجد قد يكون أخشى وأقنع، حينئذ يكون في حق هذا الشخص وليس تقعيداً عاماً يكون في حقه صلاة النافلة في المسجد أولى من صلاته في بيته، إذا قد يصير المفضول فاضلاً هنا الجملة الاسمية هي الأولى، ولكن عُدل للجملة الفعلية للدلالة على التجدد والثبوت، وهنا قد عُلق الحمد على الإحسان والإحسان من الرب - عز وجل - على العبد مُتجدد ومُستمر، يعني يكون ثم يكون ثم يكون، يعني يوجد ثم يوجد ثم يوجد، وليس هو إحسان واحد مستمر ولا ينقطع ولا يتلوه إحسان آخر، ولذلك لما كانت النِعم مُتجددة في حق العبد والجملة الفعلية تدل على التجدد، ناسب أنه يأتي بالجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث. فالحمد يُوجد كلما وُجدت النِعم، لما كانت النِعم متوالية متجددة تكون ثم تكون ناسبه أن يأتي بجملة دالة على الحدوث والتجدد، إذا كلما تجددت النعمة وُجد لها حمد وهذا يدل عليه الجملة الفعلية. ولابد من القول بالتفريق بين الجملة الفعلية والجملة الاسمية وخاصة في هذا الموقع، فحينئذ نقول الجملة الاسمية تدل على ماذا؟ تدل على الثبوت، فإذا قال