فما يحتاج إلى وقوف وقفنا معه، وما لا يحتاج نبينه ونمر عليه كما يُقال مرور الكرام، وثم مسائل لا يمكن استيعابها في كتب الأصول، وهذا مما يجعل أيضاً أصول الفقه من الكتب أو من الفنون التي تعد من العلوم الصعبة على طلاب العلم، أنه مُركب من عدة فنون يدخل فيه مباحث في اللغة يدخل فيه مباحث من المنطق، مقدمة منطقية ومقدمة لغوية هذا المشهور عندهم، والمقدمة المنطقية هذه لم يذكرها المُصنف فأراحنا منها، وإلا لو ذكرها لاحتجنا إلى أن نُبين أصول المنطق من أوله إلى آخره، ولذلك لو ذُكر علم المنطق في هذا الكتاب أو في غيره من الكتب حينئذ يحتاج الطالب إلى أن يدرس المنطق في ضمن أصول الفقه، فإذا كان أصول الفقه نفسه فيه نوع صعوبة والمنطق في نفسه فيه نوع صعوبة أو هو صعب، فحينئذ دراسة أصول الفقه وفي ضمنه علم صعب يجعل ماذا الصعب صعباً يزيده، ولذلك من الحسن من طالب العلم أن يكون بصيراً فيعرف ما الذي يتألف منه أصول الفقه، فيعلم أنه مُستمد من علوم اللغة فيدرس كل فن فنون اللغة، ثم بعد ذلك يدرس أصول الفقه، لأنه ستأتيه مباحث حد الكلام حد الكلمة تعريف الكلام يأتي الاشتقاق تأتي الحقيقة والمجاز يأتي المعرب وليس بمُعرب، هذه كلها مباحث لغوية وليست بمباحث أصولية، وإنما تُذكر في أصول الفقه لأن من مبناة أنه مستمد من علم اللغة إذا كان مستمداً من علم اللغة فحينذ لابد أن يُذكر طرف من اللغة العربية مما يحتاجه الأصولي في هذا الفن، فإذا وُجد في كتاب ما قد تجد مثلاً مجلداً كاملاً فيه مطولات كله في اللغة العربية حينئذ كيف يفهم طالب العلم أصول الفقه إذا لم يُفرد هذا الفن بدراسة مستقلة، ولذلك الأولى لطالب العلم ألا يتعمق في دراسة المسائل الدخيلة على الفن، وأعني بالمسائل الدخيلة أنها ليست من فن أصول الفقه أصالة وإن بُني عليها وإنما يأخذ كل فن على حده فيدرس النحو على حده فإذا مرت به مسائل النحو في أصول الفقه لا يقف معها كثيرا، وإنما ينظر إلى رأي الأصوليين فحسب ما اختيارهم ما ترجيحهم، هل اصطلاحهم يخالف اصطلاح أهل اللغة أم لا فقط، أما أن يقف ويدرس النحو ويدرس الحقيقة والمجاز والاستعارة والكناية في أصول الفقه نقول أن هذا لا يستوعبه أصول الفقه على وجهه، بل ربما قد يرجع من حيث بدأ ولا يُتم الكتاب. لذلك المباحث التي ستأتينا في أصول الفقه هنا في اللغة وكذا لن نقف معها كثيراً وإنما نُبين مراد المُصنف ونسير، وبهذه الطريقة إن شاء الله نأتي على الكتاب من أوله إلى آخره.
بسم الله الرحمن الرحيم
" أحمد الله على إحسانه وأفضاله كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وأصلي وأسلم على نبيه المكمل
بإرساله، المؤيد في أقواله وأفعاله، وعلى جميع صحبه وآله. وبعد:
فهذه (قواعد الأصول ومعاقد الفصول) من كتابي المسمى بـ (تحقيق الأمل) مجردة من الدلائل، من غير إخلال بشيء من المسائل، تذكرة للطالب المستبين، وتبصرة للراغب المستعين، وبالله أستعين، وعليه أتوكل وهو حسبي ونعم الوكيل المعين."