فإن ورد بعد الحظر فللإباحة جاء الأمر بعد الحظر للإباحة يعني جاء تحريم ثم جاءت الإباحة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، ثم قال {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} {فَانتَشِرُوا} هذا أمر أو لا؟ أمر هل يقتضي الوجوب؟ {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} نقول هذا أمر هل يُحمَل على الوجوب أم نجعل كون الفعل قد نُهي عنه أولاً ثم بعد ذلك أُمر به نجعل تقدم الحظر قرينة صارفة على أنه المراد به الإباحة؟ هذا محل نزاع عند الأصوليين يعني ليست هذه المسألة كالمسألة السابقة صيغة افعل مجردة لا شك أنها للوجوب مطلقة بلا استثناء ولا تفصيل لإجماع الصحابة وما ذكرنا من الأدلة لكن ثم قرينة مُختَلف فيها هل هي قرينة صارفة أم لا كون الشرع ينهى عن أمر مُباح ثم بعد ذلك يأمر {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} هي نحمل {فَانتَشِرُوا} للوجوب أو الإباحة؟ المشهود عند الأصوليين أنه للإباحة ولذلك قال فإن ورد يعني صيغة افعل بعد الحظر بعد التحريم يعني بعد المنع فللإباحة لماذا؟ قالوا للاستقراء والتتبع للأوامر الشرعية الواردة بعد النهي فلم يوجد أمر كذلك إلا ويُراد به الإباحة لا يوجد في الشرع أمر بصيغة افعل بعد نهي إلا والمراد به الإباحة كقوله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} {فَأْتُوهُنَّ} هذا أمر يجب؟ نقول لا يجب مباحاً {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} كذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها قالوا هذه كلها للإباحة وهذا محل نظر بل الصواب هو ما قاله أكثر الفقهاء بما ذكره في القول الثاني بقوله وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لما يفيده قبل الحظر فإذن كان قبل الحظر واجباً ثم مُنع ثم جاء الأمر به فالأمر للوجوب وإن كان قبل الحظر للندب ثم مُنع حُظر ثم أُمر به فصيغة افعل حينئذ للندب وإن كان مُباحاً أولاً ثم حُظر ثم أُمر به فهي للإباحة ولهذا قال ابن كثير أنها باستقراء الشرع في سورة الجمعة {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} قال باستقراء الشرع أن أسلم الأقوال هو هذا لأنه وُجد بأدلة أنه قد أمر بشيء بعد الحظر ثم كان للوجوب {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} قالوا هذا للوجوب، فإذن ورد بعد الحظر فللإباحة وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لما يفيده قبل الحظر، والصواب الثاني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015