قال (في الحكم ولوازمه) قال: قيل فيه حدود، أسلمها من النقد والاضطراب: الحكم في اللغة المنع، يعني الحكم له معنيان، معنى لغوي ومعنى اصطلاحي، لابد – إذا اريد المعنى الاصطلاحي - أن يذكر المعنى اللغوي، ليعرف العلاقة بين المعنيين، المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، لأن المعنى الاصطلاحي هذا حقيقة عرفية أو شرعية، لا بد له من إحدى الحقيقتين إما حقيقة شرعية وإما حقيقة عرفية، ومعلوم أن الأصل في اللغات أنها تحمل على الحقيقة اللغوية، ولا يجوز التخصيص أو التعميم بنقله إلى حقيقة عرفية أو شرعية إلا إذا ثبت أن هذا المعنى قد استعمل في لغة العرب، هذا هو الأصل، ولذلك إذا عُرف الإيمان يقال الإيمان لغة كذا، والإيمان في الشرع كذا، الصلاة لغة الدعاء، وفي الاصطلاح أقوال وأفعال .. الخ، لم يذك الفقهاء هذه المعاني؟ ليبين لك أن ثَمَّ تناسبا بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي الذي يعبر عنه بالحقيقة العرفية أو الحقيقة الشرعية. إذن نقول هنا الحكم ليُعرف العلاقة بين الحكم الشرعي والحكم اللغوي.

الحكم لغة: المنع، ومنه سمي القضاء حكما، لماذا؟ قالوا لأنه يمنع من غير المقضي منه، إذا حكم القاضي فقد أثبت الحكم الذي يراه، ومنع غره من أن ينفذ حكمه على المحكوم عليه. إذن الحكم في اللغة هو المنع، ولذلك قول جرير يُذكر في هذا الموضع:

أبني حنيفة احكموا سفاءكم .. إني أخاف عليكمُ أن أغضبَ

فإذا قيل: حكم الله في هذه المسألة الوجوب، معناه أن الله عز وجل قضى في هذه المسألة بالوجوب ومنع من مخالفة هذا الحكم. ولذلك سميت الحكمة حكمة كما قيل مشتقة مشتقة من الحكم، لماذا؟ لأن فيها منعا، تمنع صاحبها من الوقوع في الرذائل والأخلاق غير المحمودة. إذن عرفنا الحكم في اللغة.

أما في الاصطلاح، فذكر بعضهم كالشيخ الأمير رحمه الله في المذكرة وغيرها، أن الحكم اصطلاحا هو إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه، إذن الحكم يكون بالإثبات إيجابا ويكون بالنفي سلبا، زيد قائم: هنا حكمت على زيد بثبوت القيام، زيد ليس بقائم: هنا حكمت على زيد بسلب القيام عنه. إذن الحكم يؤكون بالإثبات ويكون بالنفي. إذن لا يتصور كما يظن البعض أن الحكم دائما إذا قيل حرام معناه أنه قد حكم وأفتى، وإذا قيل ليس بحرام معناه ليس مفتى، لا هو أفتى في الموضعين، في الإثبات بإثبات التحريم، وفي النفي بنفي التحريم. هذا من حيث الجملة: إثبات أمر لأمر: زيد قائم، أو نفيه عنه: زيد ليس بقائم. هذا من حيث الجملة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015