مُباح قلنا وزنه مُفعَل، المباح لغة المُعلَن والمأذون، يُقال باح الشيء بوحاً ظهر ويتعدى بالحرف فيُقال باح به صاحبه وبالهمزة أيضاً فيُقال أباح، باح به وأباحه، وأباح الرجل ماله أذن في ألأخذ والترك، وجعله مًطلق الطرفين، إذا باح به وأباحه، أباح الرجل ماله يعني أذن في الأخذ منه وسوى بين الطرفين، وأما حده في الشرع فهو ليس فيه طلب وليس فيه إلزام ولذا لا يمكن أن نقول هو طلب ما طلب الشارع فعله، وإنما يقول ما لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته، ما هذا جنس يشمل الأحكام التكليفية كلها لا يتعلق به أمر خرج الواجب المندوب ولا نهي خرج به الحرام والمكروه لذاته خرج بعض أفراد المُباح أو نوع المباح لأن المُباح نوعان نوع يكون مقدمة طاعة مقدمة واجب أو مقدمة مندوب وقد يكون مقدمة معصية مقدمة حرام أو مقدمة مكروه، فحينئذ القاعدة العامة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، إنما الأعمال بالنيات، فإذا وقع وحصل أن المباح كان وسيل للواجب أخذ حكمه، حينئذ تعلق الثواب بالمباح والأصل في المباح أنه لا يتعلق به أمر فحينئذ كيف تعلق به الثواب وهو مباح من حيث هو ولا يتعلق به أمر ولا نهي نقول هنا الذي لا يتعلق به أمر ولا نهي هو المباح الذي لم يُجعَل مقدمة طاعة ولا معصية، يعني المباح من حيث هو بقطع النظر عن اعتباره وسيلة لغيره، أما إذا كان المباح هو وسيلة للواجب فهو مقدمة واجب أخذ حكم الواجب، وإذا كان المباح وسيلة المندوب فهو مقدمة المندوب حينئذ أخذ حكم المندوب فيصير المباح واجباً ويصير المباح مندوباً ويصير المباح حراماً كل وسيلة أدت على الحرام فهي حرام، فالأصل هي مباحة لا يتعلق بها إثم لكن لما كانت وسيلة إلى المًحرم صارت محرمة، كذلك الوسيلة التي يُتوَل بها إلى المكروه صار حكمها حكم المكروه، قوله لذاته يعني لا يتعلق به أمر الذي يترتب الثواب ولا يتعلق به نهي الذي يترتب على إيجاده العقاب، بذاته يعين بالنظر لنفسه دون اعتبار دونه مقدمة لغيره، أما إذا كان مقدمة لغيره فأخذ حكمه ما جُعل مقدم له، لكن يُتنَبه إلى أن المباح لا ينقلب بذاته واجباً يعني إذا قيل مثلاً قد يُتوَصل بالنوم إلى أداء الواجب وجاء عن السلف يقول احتسب نومتي وقومتي وأكلتي وشربتي إلى آخره، الأكل مثلا الأكل مباح في ذاته حكمه مباح الشرب مباح لكن لو كان الأكل يدفع به موت نفسه كاد أن يموت من الجوع ووجد أكلاً ما حكم الأكل؟ واجباً، الأكل من حيث هو مباح لما كان وسيلة لدفع مُحرم صار واجباً ما لم يترك المحرم وهو قتل النفس ما لم تم قتل المحرم إلا به ففعله واجب، فحينئذ صار الأكل واجباً، لكن هل الأكل انقلب من الإباحة ذاته إلى الواجب، نقول لا، وإنما يُعاقب أو يُثاب من جهة النية، وكذلك يقال في النوم نفسه أحتسب نومتي يعني النية أنني أتقرب إلى الله - عز وجل - بهذا الفعل المباح ليكون معونة على قيام الليل أو صلاة الفجر ونحو ذلك، أما نفس النوم فلا ينقلب عبادة، لماذا؟ لو قلنا هذه المُباحات انقلبت إلى عبادات ما وجه أن تكون العبادات توقيفية، هل يستقيم أني ُقال العبادات توقيفية وهذا متفق عند السلف أن العبادات توقيفية، ما معنى أن العبادات توقيفية بمعنى أنها موقوفة على