وحينئ نحتاج إلى قرينة إذا وُسع في هذا المصطلح، لماذا؟ لأنه يصير من قبيل المشترك، إذا كان له معنيان نهي نهي تحريم ونهي نهي تنزيه حينئذ نحتاج إلى دليل يفصل في هذه المسألة كالمنهي عنه نهي تنزيه يُطلق المكروه على الحرام كما ذكرناه أليس كذلك؟ وهذا الإطلاق كثير عند المتقدمين كالإمام أحمد والشافعي وغيرهم من الأئمة ولذلك قيل إن الإمام أحمد قال أكره المتعة والصلاة في المقابر، أكره المتعة وهي حرام والصلاة في المقابر وهما مُحرمان، وإنما كانوا يخافون من إطلاق لفظ الحرام تورعاً لئلا يدخل في قوله - عز وجل - {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} النحل116، لأنهم أئمة أعلام، كان الواحد منهم يتورع أن يقول هذا حرام وإنما يقول أكره كذا أكره المتعة أكره الصلاة في المقابر، كذلك يُطلق المكروه على ترك الأولى وهذا ما ذكرناه سابقاً في اصطلاح الشافعية والمالكية، لأن المفهوم لا يُطلق على ما طلب الشارع طلباً غير جازم وإنما يُقيد المكروه ما طلب الشارع تركه طلباً غير جازم بنص خاص، لابد أني ُعين المنهي عنه كقوله - صلى الله عليه وسلم - (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي) قالوا هنا نص وهذه لا يجلس لا الناهية ويجلس فعل مضارع مجزوم بها والأصل فيها أنه للتحريم وصُرف بقرائن أخرى، حينئذ قالوا لما نص هنا فيصدق عليه الحد، حد المكروه ما طلب الشارع تركه طلباً غير جازم ويسمى مكروهاً لأنه نُص عليه بخبر خاص وأما إذا لم ُنص عليه بأن يكون طلب غير جازم لا بنص خالص وإنما بعمومات تدل عليه حينئذ يسمى خلاف الأولى، بناءاً على القاعدة عندهم أن الأمر بالشيء على وزان الواجب، الواجب عندهم قد يأتينا في الأمر ونهي ما أمر به الشارع، الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده نهي التحريم الأمر بالشيء على جهة الإيجاب الأمر بالشيء وجوباً يستلزم النهي عند ضده نهي التحريم، إذا أمر بالشيء ندباً قالوا يستلزم النهي عن ضده نهي خلاف الأولى ولا نقول مكروه، لماذا؟ لأن المكروه لابد أن يكون بدليل خاص وهنا ليس عندنا دليل خاص، يدخل تحت هذا كل ترك للمندوبات فهو خلاف الأولى، قاعدة عامة كل ترك للمندوبات فهو خلاف الأولى، مثلوا لذلك ما مثَّل الشيخ الأمير رحمه الله في الندب بصلاة الضحى، صلاة الضحى أُمر بها شرعاً إذاً هي مندوبة هي منهي عن تركها بطريق ماذا؟ بطريق أن الأمر بالشيء ندباً يستلزم النهي عن ضده نهي خلافاً أولى فإذا ترك صلاة الضحى حينئذ نقول وقع في خلاف الأولى، طلب الشارع تركه ما هو؟ ركعتي الضحى طلب الشارع تركه على ماذا يعود الهاء هنا على ترك الترك وليس ترك الفعل، ما طلب الشارع تركه طبياً غير جازم لا على وجه الخصوص لم ينص عليه، لم يقل لا تتركوا صلاة الضحى، فلو جاء نص لا تتركوا صلاة الضحى حينئذ نقول هذا مكروه ترك صلاة الضحى مكروه، لكن لما لم يرد نص حينئذ نقول هذا خلاف خلاف الأولى عن القاعدة العامة الأمر بالشيء ندباً يستلزم النهي عن ضده نهي خلاف الأولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015