[أولا] أن يترك المحظور لأنه لم يطرأ على قلبه أصلا، ماحدَّث نفسه، بل قد يعيش مدة عمره ولم يعرف معنى الربا أصلا، ولا يفعله، في قرية نائية، لا بنوك ولا شركات ولا أسهم ولا أي شيء، نقول هذا سَلِمَ من الربا ولم يحدث نفسه أصلا بالربا، هذا نقول لا ثواب ولا عقاب، لا عقاب لماذا؟ لأنه لم يفعل الربا، والعقاب مرتب على ماذا؟ على وجود الفعل، وهو الربا، لا ثواب لفقد شرط الثواب، وهو نية التقرب، لأنه لم يخطر بباله أصلا. هذا النوع الأول لتارك المحظور.
[النوع الثاني] أن يكون تركه له مخافة وتعظيما لله، وهذه نسعى أن نكون من أهل هذه المرتبة، تركه مخالفة وتعظيما لله، فهذا يثاب، لماذا؟ لوجود شرط الثواب، وهو نية التقرب إلى الله عز وجل، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: "أنَّ مَنْ هَمَّ بالسيئةِ فلم يعملها كتبَ اللهُ له ذلك حسنة كاملة"، جاء في الحديث: "لأنه تَرَكَهَا مِن جَرَّائِي" أي: من أجلي، إذن كُتبَ الهَمُّ بالسيئة حسنة، إذن أثيب على الترك، لماذا؟ لأنه تركها (قال جلَّ وعلا: "من جرَّائي" أي: من أجلي) فوجد شرط الثواب وهو نية التقرب إلى الله عز وجل. هذا الثاني.
[الثالث] أن يتركه عجزا عنه، يعجز عنه، دون القيام بفعله، يعني ما نوى أن يفعل، وإنما همَّ بقلبه أن يتركه عجزا عنه دون القيام بفعله، فهذا لم يهم بالفعل أصلا، يعني يكون كمن يرى مالا مع شخص ما، ينوي في قلبه أنه لو وجد له مال لفعل وفعل من المعاصي والمنكرات، هل فعل؟ لم يفعل، نوى؟ نعم نوى، هذا يعاقب عقاب نية الفاعل، ولذلك جاء في الحديث: "فهما في الوزر سواء"، "لو أن لي مالا مثل فلان لفعلت وفعلت، فهما في الوزر سواء"، هو ما فعل، لكنه نوى، لكنه في العقاب عدلا يعاقب عقاب نية الفاعل، لأن النية عمل وقد يعاقب عليها كما أن الظاهر عمل وقد يعاقب عليه، أليس كذلك؟ حينئذ لا إشكال، [ .... ] نقول: لا، النية عمل، عمل قلب، إذن هو فعل مكلف، فتعلق به التحريم، فحينئذ نقول: فهما في الوزر سواء، مرتب على هذا مع أنه لم يعمل.
[الرابع] أن يكون تاركا للمحظور عجزا عنه مع فعله الأسباب، فهذا يعاقب عقوبة الفاعل، كمن بذل الأسباب، أراد أن يسرق فذهب ليسرق فأعد العدة فإذا وجد الشرطي أمام الباب [ .. ]، نقول هذا همَّ وفعل الأسباب لكنه عجز، عجزه مع نيته وبذل الأسباب استحق أن يرتب عليه عقاب الفاعل، كأنه فعل ذلك، ولذلك جاء في ال حديث الثابت: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" كأنه بذل الأسباب وعجز، تحرك، حاول أن يقتله ولكنه عجز مع بذله الأسباب، نقول يعاقب عقاب الفاعل، إذن هذه أربعة أحوال.