عقيدة أهل السنة في القدر

قال الشارح رحمه الله: [وأما أهل السنة والجماعة فتمسكوا بالكتاب والسنة في هذا الباب وغيره، واعتقدوا أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى في كل شيء مما يوافق ما شرعه الله، وما يخالفه من أفعال العباد وأقوالهم؛ فالكل بمشيئة الله وإرادته، فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه، وما خالفه كرهه من العبد، كما قال تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:7].

وفيه: بيان أن الحلف بالكعبة شرك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر اليهودي على قوله: إنكم تشركون].

أقره على تسميته ذلك شركاً ونهى عنه، وليس معنى هذا أن اليهودي ينبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلمه، ولكن هذا يكون من الأمور المسموح بها أولاً، ثم بعد ذلك نهي عنها، وقد جاء أنه كان يجوز أن يحلفوا بغير الله أولاً ثم نسخ ذلك ونهوا عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، وقال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)، وقال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وله أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله نداً، ما شاء الله وحده)].

قوله: (أجعلتني لله نداً)، الند: هو المثيل والنظير الذي يكون مناظراً لنده، يقال: (هذا ند) إذا كان مثله، ونديده إذا كان مساوياً له، ولا يلزم أن تكون المساواة من كل وجه بل ولو في صفة من الصفات.

قوله: (أجعلتني لله نداً)، هذا من باب الإنكار عليه وأن هذا من الشرك، كما قال صراحة: (أجعلتني لله نداً؟) فدل على أن هذا شرك، وهو من الشرك الأصغر الذي يجب أن يتنزه عنه، ووجوده يكون منقصاً لتوحيد الإنسان.

ثم أرشده إلى التوحيد الخالص فقال: (بل ما شاء الله وحده)، أي: قل: ما شاء الله وحده ولا تعطف عليه أي شيء، وهذا أكمل مما لو قال: (ما شاء الله ثم شئت)، مع أنه جائز ولكن قوله: (ما شاء الله وحده) أكمل وأبعد عن المشاركة عن الشرك في الوجود؛ وأرشد إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الأمر الذي وقع هو بمشيئة الرسول صلى الله عليه وسلم، أعني: المشيئة المقدور له فعلها بنفسه، ولكن لا يقع شيء في الكون إلا بمشيئة الله.

فالله هو الذي أقدر المخلوق على أن يفعل هذا الشيء؛ فإنه لا تكون له حركة ولا سكون إلا بإرادة الله جل وعلا: {مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الأنعام:59] فالله جل وعلا أراد ذلك وشاءه، والشيء الذي لا يريده ولا يشاؤه لا يمكن أن يقع؛ غير أن الله جل وعلا جعل لكل شيء سبباً، والسبب لا يجوز أن يكون هو المعتمد عليه، والمنظور إليه، بل ينظر إليه على أن الله جعله سبباً، فترجع الأمور كلها إلى الله جل وعلا، وهذا منها، فإذا فعل مخلوق فعلاً يجب أن يُنظر إلى أنه وقع بإرادة الله، والله هو الذي أقدر هذا المخلوق عليه، وقد شاء الله وقوعه، ولولا مشيئته ما وقع؛ لأنه وإن كان السبب تاماً فإن له موانع جعلها الله جل وعلا فإذا أراد أن لا يقع لم يقع.

قال الشارح رحمه الله تعالى: [هذا يقرر ما تقدم: من أن هذا شرك لوجود التسوية في العطف بالواو.

وقوله: (أجعلتني لله نداً)، فيه بيان أن من سوى العبد بالله ولو في الشرك الأصغر فقد جعله نداً لله، شاء أم أبى، خلافاً لما يقوله الجاهلون بما يختص بالله تعالى من عبادته، وما يجب النهي عنه من الشرك بنوعيه و (من يرد به الله خيراً يفقه في الدين).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015