قال الشارح رحمه الله: [وفي هذه الآيات والحديث: الرد على القدرية والمعتزلة نفاة القدر، الذين يثبتون للعبد مشيئة تخالف ما أراده الله تعالى من العبد وشاءه، وسيأتي ما يبطل قولهم في: (باب ما جاء في منكري القدر) إن شاء الله تعالى، وأنهم مجوس هذه الأمة].
القدرية ما قالوا ذلك لأنهم يقدسون الإنسان، ولا لأنهم يجعلونه مشاركاً لله جل وعلا في ذلك قصداً، وإنما قالوه من باب الجهل والفرار من باطل اعتقدوه فوقعوا في باطل آخر أكبر منه، وهو أنهم قالوا: لو قلنا إن مشيئة الله جل وعلا عامة شاملة، وأن العبد ليس له مشيئة إلا بعد مشيئة الله؛ فهي داخلة في مشيئته؛ فلو قلنا هذا للزم من ذلك أن نقول إن الله يشاء الكفر من العبد ثم يعذبه عليه، ويكون ذلك ظلماً.
هذا الذي دعاهم إلى قولهم: إن العبد له مشيئة غير داخلة في مشيئة الله، ومعلوم أن مثل هؤلاء مثل الذي استجار من الرمضاء بالنار، فهم فروا من شيء متوهم يريدون تنزيه لله ووقعوا في الشرك في الربوبية؛ حيث جعلوا هناك أشياء مخلوقة لغير الله جل وعلا.
فإذاً: يكون المخلوق مشاركاً لله جل وعلا في الخلق، وهذا أعظم وأكبر مما فروا منه، فإن الله جل وعلا خلق الإنسان وجعل له قدرة واختياراً فخلق له القدرة على اختيار الفعل التي هي المشيئة، وخلق له قدرة التي هي مناط القيام بالفعل، وبها يفعل، وخلق له أيضاً إرادة التي هي المشيئة فجعلها ملكاً له، وأمره بما يستطيع، فإذا فعل ذلك فإنه يفعله بإرادته وقدرته، وإذا تركه فإنه يتركه بإرادته وقدرته، وعلى ذلك يستحق العبد إذا ترك ما أمر به وفعل ما نهي عنه يستحق الثواب إذا امتثل الأمر واجتنب النهي؛ لأنه وقع بإرادته وقدرته.