في هذه الأحاديث تعليمات لحل الصيد بالكلب المعلم، وكذلك حل الصيد بالسهم وما أشبهه: أولاً: أنه إذا أرسله فإنه يسمي؛ لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:4] ، فيذكر اسم الله بقوله: باسم الله، أو باسم الله والله أكبر، على هيئة ما يقوله عند ذبح الحيوان المباح.
ثانياً: أن الكلب يمسك الصيد حتى يأتيه صاحبه، ثم يتسلمه منه، ويمسكه بفمه أو بيديه ويتثاقل عليه.
ثالثاً: يجوز الصيد لو قتله الكلب، فتسميتك وإرسالك للكلب يعتبر ذكاة، والكلب قد يعض الأرنب حتى تموت، أو يكسر أضلاعها، وقد يتأخر صاحبه فلا يأتي إليه إلا وقد مات، فيكون إمساكه لها تذكية له، وقد ذكر بعضهم خلافاً فيما إذا قتله الكلب بثقله، فـ ابن كثير رحمه الله تكلم على المسألة في أول تفسير سورة المائدة في تفسير قوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4] ، وهي الآية الرابعة من السورة، وكأنه يميل إلى أنه لا يؤكل إذا قتله بثقله، ولكن ظاهر الحديث أنه يؤكل؛ لقوله في هذا الحديث: (وإن قتل) يعني: وإن قتل الكلب فَكُلْ.
والدليل عليه أنه قال: (وإن وجدت مع كلبك كلباً آخر أو كلاباً فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) ، فدل على أنه إذا سمى على كلبه وقتل فإنه يأكله، وإذا لم يسم فلا يأكل، وإذا وجد مع كلبه كلباً آخر ولم يسم وقد قتل فإنه لا يأكل؛ مخافة أن تكون الكلاب اجتمعت عليه فقتلته، ولا يدرى أيها قتله، هل المسمى عليه أو الذي لم يسم عليه؟ والدليل أيضاً أنه قال: (فأدركت ذكاته) ، فإذا وجدت الصيد لم يزل حياً، لم تزل الأرنب أو اليربوع أو الحبارى أو نحوها فيها حياة، فإنك تذبحه بالسكين؛ وذلك لأنك إذا تركته حتى يموت فقد فرطت، ومثل ذلك القتل بالسهم.