قال المصنف رحمه الله: [عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: حدثنا جندب في هذا المسجد وما نسينا منه حديثاً وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكيناً فجز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) ] .
في هذا الحديث: أن هذا الرجل كان من الأمم السابقة، قتل نفسه؛ فعوقب بأن حُرِم ثواب الله تعالى وجنته.
ذكر أنه كان به جراح في يديه أو في قدميه، فكأنه تألم من هذه الجراح واشتد عليه الوجع، ولما اشتد عليه الألم والوجع لم يتحمل ولم يصبر، فرأى أن السلامة قطع ذلك العضو أو تلك اليد أو الرجل التي فيها الجرح يريد أن يريح نفسه من هذا الألم والوجع الشديد الذي يحس به؛ ولكنه لما قطع ذلك العضو خرج الدم واستمر في خروجه إلى أن خرجت نفسه، فمات بسبب قطع يده أو قطع ذلك العضو الذي كان يؤلمه، مات بسبب نفسه، فحرمه الله تعالى ثوابه، فقال الله تعالى: (بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة) أي: سابقني بنفسه، وتسبب في قتل نفسه، ولم يتحمل هذا الألم الذي أنزلته به، فصار قتله لنفسه سبباً في حرمانه ثواب الله تعالى، وفي حرمانه الجنة.
وهذا دليل على أن الإنسان لا يجوز له أن يتسبب في قتل نفسه الذي يسمى في هذه الأزمنة: الانتحار، يعني: كون الإنسان يقتل نفسه، إما لألم أو لهم أو غم أو لضيق حال أو ما أشبه ذلك، فإذا فعل ذلك تسبب في حرمان نفسه من ثواب الله تعالى، وأقدم على عقابه.
وورد أيضاً أن رجلاً في عهد الصحابة يقال له: قزمان، كان يقاتل معهم في غزوة أحد، ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إنه في النار) فشكُّوا في أمره، قاتل قتالاً شديداً في غزوة أحد، فلما كان في آخر أمره أصابته جراحة، فتألم من هذه الجراحة، فوضع سيفه في وسطه، وتحامل على السيف حتى خرق جوفه وخرق ظهره بالسيف، وقتل نفسه، فتبين صدق النبي صلى الله عليه وسلم في أنه من أهل النار؛ لأنه قتل نفسه.
فلما فعل ذلك الرجل ما فعل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) .
الأعمال بالخواتيم، فخاتمة هذا الرجل الذي كان مع الصحابة خاتمته لَمَّا قتل نفسه أن حُكم عليه بأنه في النار، فهذا يبين أن الذي يتسبب في قتل نفسه يعذب بهذا العذاب.