قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه: [كتاب القصاص: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) .
وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) .
وعن سهل بن أبي حثمة قال: (انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً، فدفنه ثم قدم المدينة، ثم انطلق عبد الرحمن بن سهل وحويصة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كبر كبر، وهو أحدث القوم؛ فسكت، فتكلما، فقال: أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟ قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: فتبرئكم يهود بخمسين يميناً، فقالوا: كيف نأخذ بأيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده) وفي حديث حماد بن زيد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته، فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم، قالوا: يا رسول الله! كيف نأخذ بأيمان قوم كفار؟) وفي حديث ابن عبيد: (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة) ] قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) وصفه بأنه مسلم، وأنه يشهد الشهادتين، فإذا أسلم لله تعالى، واستسلم لأمره، وأقر بالشهادتين؛ عصم دمه، وعصم ماله، وحرم قتله وإراقة دمه، وحرم قطع طرفه، وحرم شجه أو جرحه، وحرم الاعتداء عليه؛ لأنه عصم دمه بهذه العقيدة، وبهذا الدين، إلا بثلاثة أشياء: الأول: إذا زنى وهو محصن، والإحصان: هو كونه قد تزوج زواجاً صحيحاً، ودخل بزوجته، ثم بعد ذلك زنى، فهذا ثيب، فيقتل إن زنى بأن يرجم حتى يموت، فهذا سبب أباح دمه، وهو زناه مع الإحصان.
الثاني: إذا قتل بريئاً قتل به، لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة:178] فمن قتل شخصاً مكافئاً له قتل به، فمن قتل رجلاً مسلماً قُتل به، وكذا لو قتل امرأة مسلمة قتل بها.
الثالث: (التارك لدينه المفارق للجماعة) فهذا يباح قتله، ويسمى مرتداً، أو مبتدعاً بدعة مكفرة تلحقه بالردة، فهذا يقتل ولو أقر بالشهادة؛ لأنه أتى بما يبطلها، فمن ترك دينه بعبادة القبور حل قتله، وكذلك من ترك الصلاة وأصر على تركها قتل، وكذلك من منع الزكاة، وكذلك من استحل شيئاً من الحرام، من استحل الزنا وجعله مباحاً، أو استحل الربا، أو استحل الخمر، أو نحو ذلك؛ أُبيح قتله؛ لأنه أتى بمبرر وهو ترك دينه.
وكذا إذا فارق جماعة المسلمين وإمامهم وسوادهم الأعظم، فارقهم وأصبح شاذاً، فإنه يقاتل إلى أن يرجع إلى معتقد المسلمين، وجماعة المسلمين هم الذين على عقيدة السلف ولو كانوا أقل من غيرهم.