الحاصل أن في هذا دليل على اعتباراً قول القافة الذين يعرفون الشبه، وأنه إذا شهد واحد منهم مجرب الإصابة بأن هذا النسب صحيح قبل قوله.
وأخذوا من ذلك لو أن اثنين وطئا امرأة في طهر واحد، أحدهما زوجها، والآخر وطئها خطأً يعتقدها امرأته أو نحو ذلك، وعلقت بولد، واعترانا الشك هل هذا الولد لهذا أو لهذا؟ لمن يكون الولد؟ أو مثلاً كانا شريكين في أمة يملكانها، واعتقد كل منهما أنه يجوز له وطؤها، فوطئها هذا، ووطئها هذا، وعلقت بحمل، ولا ندري هل هو لهذا أو لهذا، كيف نفعل؟ وكذلك اللقيط، إذا وجدنا لقيطاً ساقطاً، ثم جاء اثنان وكل منهما يدعيه، هذا يقول: هو ولدي، وهذا يقول: هو ولدي، طرحته أمه عجزاً أو نحو ذلك، فكيف نفعل؟ نعرضه على القافة العارفين بالشبه، فإذا قالوا: إنه ابن هذا؛ ألحق به وثبت نسبه بذلك.
والشرع حريص على اتصال الأنساب؛ حتى لا يبقى مسلم بين المسلمين مجهول النسب؛ فإذا تحقق أو قارب أنه من فلان نسب إليه.
بعض العلماء يقول: لابد من اثنين من أهل القيافة يشهدان بأنه ابن فلان أو يقران بذلك، وبعضهم يكتفي بواحد لما في هذه القصة، وهو أن أسامة نسب إلى أبيه بدون شك، ولكن قد عرفنا أن أسامة ولد على فراش زيد، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) ، فـ أسامة ولد على فراش زيد من زوجته التي هي حل له، فهو أنه ينسب إليه، وصدق ذلك كلام مجزز المدلجي: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فثبت النسب، وبطل قول من يطعن في نسبه بأنه ليس ابناً له، وأما إذا لم يكن هناك فراش، ولم تكن المرأة خاصة بأحد الرجلين أو نحو ذلك فيقول بعض العلماء ولعله القول الأرجح: لابد من قائفين معروفين بالإصابة، فيتفقان على أنه ابن هذا، فإذا اختلفا رجع إلى غيرهما، فإذا تنازع اثنان في ولد، كل منهما يقول: إنه ابني؛ لأنه وطء أمه لشبهة، عرض على القافة، فإذا عرض على اثنين، فأحدهما قال: هو ابن هذا، والثاني قال: بل هو ابن هذا، أتينا بقائفين آخرين حتى يتفقوا أو يخير بأن ينتسب إلى أيهما شاء إذا لم يعرف بيقين أنه ابن لأحدهما بسبب اختلاف القافة، فالقافة بشر ليسوا يعلمون الغيب، وإنما يحكمون بما يظهر لهم، وليس الظاهر جلياً لكل أحد، فقد يختلفان فيقول هذا قولاً، ويخالفه آخر أو آخرون، وعلى كل حال فالشريعة حريصة على صلة الأنساب، وعلى تقليل الأفعال التي يكون فيها ضياع للأنساب.