قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [باب العدة.
عن سبيعة الأسلمية: (أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة! لعلك تريدين النكاح؟ والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر.
قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي) ، قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر.
وعن زينب بنت أم سلمة قالت: (توفي حميم لـ أم حبيبة فدعت بصفرة فمسحت بذراعيها، وقالت: إنما أصنع هذا؛ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج) ، الحميم: القرابة] .
هذا الباب يتعلق بالعدة أي: عدة المطلقة أو المفارقة أو المتوفى عنها، وقد أخبر الله تعالى بأن المطلقة لها عدة قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] والتربص هو الانتظار، أي: لا تتزوج حتى يمر بها ثلاثة قروء، وفسرت القروء بأنها الحيض أي: حتى تحيض ثلاث حيض، وفسرت أيضاً بأنها الأطهار، أي: حتى تطهر ثلاثة أطهار أي: طهر ثم حيضة ثم طهر ثان ثم طهر ثالث.
المرأة التي يأتيها الحيض منتظماً أو التي لم تزل في سن تحيض فيه أمثالها، عدتها ثلاثة قروء.
وإذا أراد أن يطلقها فقد تقدم أنه ينتظر حتى تطهر من حيضها ثم يطلقها بعدما تطهر قبل أن يجامعها؛ وذلك لقول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق:1] طلقوهن لعدتهن أي: في ابتداء العدة، وأحصوا العدة أي: احفظوا العدة حتى لا تزيدوا عليها في العدة ولا تظلموها.
فهذا يبين أن المرأة المطلقة لها عدة لابد أن تتربصها، هذا إذا كانت ذات أقراء، أما إذا انقطع حيضها للكبر أو كانت لم تحض بعد كالصغيرة فبين الله عدتها في قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] ، فالكبيرة التي لا تحيض إذا طلقت تربصت ثلاثة أشهر، والصغيرة التي لم تحض إذا طلقت عدتها ثلاثة أشهر أيضاً.
وذكر الله عدة الحامل في قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ، وذكر عدة المتوفى عنها في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] ، فبين الآيتين عموم وخصوص، فقيل: إن آية سورة البقرة أعم، يعني: أن كل متوفى عنها لابد أن تمكث أربعة أشهر وعشراً بعد موت زوجها، فإن كانت حاملاً ووضعت حملها انتظرت بعد وضع الحمل حتى تتم أربعة أشهر وعشراً، وإن لم تكن حاملاً أتمتها.
وهذا قول روي عن بعض السلف، قالوا: وإن أتمت الأربعة أشهر وحملها باقٍ فإنها تنتظر حتى تضع حملها ولو بقي بعد موت زوجها تسعة أشهر، فلا تنقضي عدتها حتى تضع؛ لقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] .
ولكن قصة سبيعة التي ذكرت في هذا الحديث تبين أن الحامل تنقضي عدتها ولو وضعت حملها قبل أن يوارى زوجها أو قبل أن يجهز؛ لعموم الآية: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] .
وفي هذه القصة: أن سبيعة كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر من قريش، فمات عنها في حجة الوداع في السنة العاشرة، وكانت حاملاً، فوضعت حملها بعد موته بأيام قليلة، فلما وضعت حملها اعتقدت أنها قد حلّت، فلما انتهت من نفاسها أو تعلت من نفاسها تجملت للخطّاب.
وفي هذا الحديث: أن أبا السنابل بن بعكك دخل عليها، وأخبرها بأنها لا تزال في العدة حتى تكمل الأربعة الأشهر والعشر؛ لأنه ما مضى على موت زوجها إلا أيام قليلة، فأنكرت ذلك وقالت: إن الله يقول: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ، فكيف تبقى في العدة بعد أن وضعت الحمل؟ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فأقرها على ما فهمت، وأجرى آية سورة الطلاق على عمومها، وأن كل حامل متى وضعت حملها انقضت به عدتها، سواء وضعته بعد ستة أشهر أو بعد ستة أيام، أو أقل أو أكثر، فلو وضعت حملها بعد موت زوجها بدقائق انقضت عدتها، ولو وضعت حملها بعد موته بتسعة أشهر؛ بأن مات وقد علقت منه لم تنقض عدتها إلا بعد أن تضعه، ولو تعدد الحمل بأن كان في بطنها اثنان أو أكثر، لم تنقض عدتها إلا بوضع آخر ما في بطنها؛ لعموم الآية: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] .
وإذا أرادت أن تتزوج بعد وضع الحمل فلها ذلك، ولو كانت في دمها، حتى ولو بعد وضع الحمل بدقائق، ولكن معلوم أنه لا يحل وطؤها للزوج الجديد إلا بعد أن تطهر من نفاسها، فهذه هي المتوفى عنها.
أما إذا لم يكن بها حمل فإنها تمكث أربعة أشهر وعشرة أيام كما في الآية، وقد كان الجاهليون تمكث الزوجة بعد زوجها سنة كاملة، ونزل في ذلك آية هي قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة:240] ثم نسخ الحول، واقتصر على أنها تمكث أربعة أشهر وعشرة أيام.